السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ} (76)

{ متكئين } أي لهم ما ذكر حالة الاتكاء والعامل في الحال محذوف ، أي : ينعمون متكئين { على رفرف } أي : ثياب ناعمة وفرش رقيقة النسج من الديباج لينة ووسائد عظيمة ، ورياض باهرة ، وبسط لها أطراف فاضلة ، وهو جمع رفرفة ، لأن الله تعالى وصفه بالجمع بقوله : { خضر } ووصفه بذلك لأنّ الخضرة أحسن الألوان وأبهجها ، وقال الجوهري : هو ثياب خضر تتخذ منها المحابس الواحدة رفرفة واشتقاقه من رف الطائر أي : ارتفع في الهواء ورفرف بجناحيه إذا نشرهما للطيران ؛ وقيل : الرفرف طرف الفسطاط والخباء الواقع على الأرض دون الأطناب والأوتاد ؛ وفي الخبر في وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم «فرفع الرفرف ، فرأينا وجهه كأنه ورقة » ، أي : رفع طرف الفسطاط وقال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول : الرفرف أعظم خطراً من الفرش فذكر في الأولين { متكئين على فرش بطائنها من استبرق } وقال هنا : { متكئين على رفرف خضر } فالرفرف هو مستقر الولي على شيء إذا استوى عليه الولي رفرف به أي طار به حيثما يريد كالمرجاح . وروي في حديث المعراج أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ سدرة المنتهى ، جاءه الرفرف فتناوله من جبريل وطار به إلى سند العرش فذكر أنه قال طار بي يخفضني ويرفعني حتى وقف بي على ربي . أي : في محل تنزلات رحمة ربي ثم لما جاء الانصراف تناوله فطار به خفضا ورفعاً يهوي به ، حتى أداه إلى جبريل عليه السلام ؛ فالرفرف خادم من الخدم بين يدي الله تعالى له خواص الأمور من الدنوّ والقرب ؛ كما أنّ البراق دابة تركبها الأنبياء عليهم السلام مخصوصة بذلك ، وهذا الرفرف الذي سخر لأهل الجنتين الدائبتين هو متكؤهما وفرشهما يرفرف بالوليّ على حافات تلك الأنهار حيث يشاء إلى خيام أزواجه .

وقوله تعالى : { وعبقريّ } منسوب إلى عبقر تزعم العرب أنه اسم بلد الجنّ فينسبون إليه كل شيء عجب ؛ قال في القاموس : عبقر موضع كثير الجنّ وقرية ثيابها في غاية الحسن ، والعبقري الكامل من كل شيء ؛ وقال الخليل : هو كلّ جليل نفيس فاخر من الرجال وغيرهم ؛ وقال قطرب ليس هو من المنسوب بل هو بمنزلة كرسي وبختي ا . ه . والمراد به : الجنس ، ولذلك قال تعالى : { حسان } حملاً على المعنى أي هي في غاية من كمال الصنعة وحسن المنظر لا توصف .