قوله تعالى : { مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ } .
«الرفرف » : جمع رفرفة فهو اسم جنس .
وقيل : بل هو اسم جمع . نقله مكي{[54628]} ، وهو ما تدلى من الأسرة من عالي الثياب وقال الجوهري{[54629]} : «والرفرف » : ثياب خضر تتخذ منها المحابس ، الواحدة : رَفرفة .
واشتقاقه : من رف الطائر إذا ارتفع في الهواء ، ورفرف بجناحيه إذا نشرهما للطَّيران ، ورفرف السحاب هبوبه .
ويدلّ على كونه جمعاً وصفه بالجمع .
وقال الراغب{[54630]} : رفيف الشجر : انتشار أغصانه ، ورفيف الطائر نشر جناحيه ، رَفَّ يَرِفُّ - بالكسر - ورفَّ فرخه يرُفُّه - بالضم - يفقده ، ثم استعير للفقدِ ، ومنه : «ما له حاف ولا رافّ » ، أي : من يحفه ويتفقده ، والرفرف : المنتشر من الأوراق .
وقوله : { على رَفْرَفٍ خُضْرٍ } ضرب من الثياب مشبه بالرياض .
وقيل : الرفرف طرف الفُسْطاط والخباء الواقع على الأرض دون الأطناب والأوتاد .
وقال ابن جبير ، وابن عباس أيضاً : رياض الجنة من رفّ النبت إذا نعم وحسن{[54631]} .
وقال ابن عيينة : هي الزَّرابي .
وقال أبو عبيدة : هي حاشية الثوب .
وقيل : كل ثوب عريض عند العرب ، فهو رفرف .
قال القرطبي{[54632]} : «وفي الخبر في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم : فرُفِعَ الرَّفْرَفُ فَرأيْنَا وَجْهَهُ كأنَّهُ ورقَةٌ تُخَشْخِشُ » .
وقيل : أصل الرفرف من رف النبت يرف إذا صار غضًّا نضيراً .
قال القتبي : يقال للشيء إذا كثر ماؤه من النعمة والغضاضة حتى يكاد يهتز : رفّ يرفّ رفيفاً . حكاه الهروي . وقد قيل : إن الرَّفرف شيء إذا استوى عليه صاحبه رفرف به ، وأهوى به كالمرجاح يميناً وشمالاً ورفعاً وخفضاً يتلذّذ به مع أنيسه ، قاله الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول » .
قال : فالرفرف أعظم خطراً من الفرش ، فذكر في الأوليين { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } .
وقال هنا : { مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ } .
فالرفرف هو مستقر الولي على شيء إذا استوى عليه الوليّ رفرف به ، أي طار به حيثما يريد كالمرجاح .
ويروى في حديث المعراج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ سدرة المنتهى ، جاء الرفرف فتناوله من جبريل ، وطار به إلى سند العرش ، فذكر أنه طار بي يخفضني ويرفعني حتى وقف بي على ربّي ، ثم لما كان الانصراف تناوله ، فطار به خفضاً ورفعاً يهوي به حتى آواه إلى جبريل - عليه السلام{[54633]} - .
ف «الرفرف » : خادم من الخدم بين يدي الله - تعالى - له خواصّ الأمور في محل الدنو والقرب كما أن البراق دابة تركبها الأنبياء مخصوصة بذلك في أرضه ، فهذا الرفرف الذي سخره لأهل الجنتين الدَّانيتين هو مُتَّكأهما وفرشهما ، يرفرف بالولي على حافات تلك الأنهار وشطوطها حيث شاء إلى خيام أزواجه{[54634]} .
قوله تعالى : «خُضْرٍ » . نعت هنا ب «خضر » ؛ لأن اسم الجنس ينعت بالجمع كقوله : { والنخل بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } [ ق : 10 ] وحسن جمعه هنا جمع «حِسَان »{[54635]} .
وقرأ العامة : «رفرف » وقرأ عثمان{[54636]} بن عفان ونصر بن عاصم والجحدري والفرقبي{[54637]} وغيرهم : «رفَارِفَ خُضْرٍ » بالجمع وسكون الضاد .
وعنهم أيضاً «خُضُر » بضم الضاد ، وهي إتباع للخاء .
وقيل : هي لغة في جمع «أفْعَل » الصفة .
قال القرطبي{[54638]} : وروى أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ : { متَّكئين على رفارف خضر وعباقر حسان } . ذكره الثعلبي ، وضم الضاد من «خُضُر » قليل .
أيُّهَا الفِتْيانُ في مَجْلِسنَا *** جَرِّدُوا مِنهَا وِرَاداً وشُقُرْ{[54639]}
ومَا انتميْتُ إلى خُورٍ ولا كُشُفٍ *** ولا لِئَامٍ غَداةَ الرَّوْعِ أوْزاعِ{[54640]}
وقرءوا{[54641]} : «وعَباقِريَّ » - بكسر القاف وتشديد الياء - مفتوحة على منع الصرف ، وهي مشكلة .
إذ لا مانع من تنوين ياء النَّسب ، وكأن هذا القارئ توهم كونها في «مفاعل » تمنع من الصرف{[54642]} .
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم «عباقريّ »{[54643]} منوناً ابن خالويه .
وروي عن عاصم : «رَفَارِف » بالصَّرف{[54644]} .
وقد يقال في من منع «عَبَاقِري » : إنه لما جاور «رَفارِف » الممتنع امتنع مشاكلة .
وفي من صرف «رَفارف » : إنه لما جاور «عباقِريًّا » المنصرف صرفه للتناسب ، كقوله : { سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً } [ الإنسان : 4 ] . كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
وقرأ أبو محمد{[54645]} المروزي وكان نحويًّا : «خُضَّار » ك «ضُرَّاب » بالتشديد ، و«أفْعَل ، وفُعَّال » لا يعرب{[54646]} .
الجمهور على أن «عبقري » منسوب إلى عبقر ، تزعم العرب أنها بلد الجن .
قال ابن الأنباري : الأصل فيه أن «عَبْقَرَ » قرية تسكنها الجن ينسب إليها كل فائق جليل .
وقال الخليل : كل منافس فاضل فاخر من الرجال والنساء وغيرهم عند العرب عبقري .
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر - رضي الله عنه - : «فَلَمْ أرَ عَبْقريًّا من النَّاسِ يَفْرِي فرْيَه »{[54647]} .
وقال أبو عمرو بن العلاء ، وقد سئل عن قوله صلى الله عليه وسلم : «فَلَمْ أرَ عَبْقريًّا من النَّاسِ يَفْرِي فرْيَه » ؛ فقال : رئيس قوم وجليلهم .
بِخَيْلٍ عليْهَا جنَّةٌ عبْقريَّةٌ *** جَدِيرُونَ يوماً أن ينَالُوا فَيستعْلُوا{[54648]}
وقال الجوهري : «العَبْقَري » موضع تزعم العرب أنه من أرض الجن ؛ قال لبيد : [ الطويل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** كُهُولٌ وشُبَّانٌ كَجِنَّةِ عَبْقَرِ{[54649]}
ثم نسبوا إليها كل شيء تعجبوا من حذقه وجودة صنعته وقوته ، فقالوا : «عبقري » وهو واحد وجمع .
وفي الحديث : «أنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ على عَبْقَرِيّ »{[54650]} وهو البُسُط التي فيها الأصباغ ، والنقوش ، والمراد به في الآية : قيل : البسط التي فيها الصّور والتماثيل وقيل : الزَّرابي .
و«عَبْقَرِي » جمع عبقرية ، فيكون اسم جنس كما تقدم في «رفرف » .
وقيل : هو واحد دالّ على الجمع ، ولذلك وصف ب «حِسَان »{[54651]} .
قال القرطبي{[54652]} : وقرأ بعضهم : «عَباقِريٌّ حِسَان » وهو خطأ ؛ لأن المنسوب لا يجمع على نسبته .
وقال قطرب : ليس بمنسوب ، وهو مثل : «كُرسيِّ وكَراسِيّ ، وبُختيِّ وبخاتِي » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.