الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ} (76)

قوله : { رَفْرَفٍ } : الرَّفْرَفُ جمع رَفْرَفَة فهو اسمُ جنسٍ . وقيل : بل هو اسمُ جمعٍ ، نقلهما معاً مكيٌّ ، وهي ما تَدَلَّى من الأسِرَّة مِنْ عالي الثياب . وقال الجوهريُّ : " ثيابٌ خُضْرٌ يُتَّخَذُ منها المجالِسُ ، الواحدةُ رَفْرَفة " واشتقاقُه مِنْ رَفَّ الطائرُ : أي : ارتفع في الهواء . ورَفْرَفَ بجناحَيْه : إذا نَشَرهما للطيران ورَفْرَفُ السَّحابِ هُبوبُه ، ويَدُلُّ على كونه جمعاً وصفُه بالجمع . وقال الراغب : " رفيفُ الشجر : انتشارُ أغصانِه . ورَفَّ الطائرُ : نَشَرَ جناحَه يَرِفُّ بالكسرِ . ورَفَّ فَرْخَه يَرُفُّه بالضم تَفَقَّده ، ثم اسْتُعير للتفَقُّدِ . ومنه " ماله حافٌّ ولا رافٌّ " ، أي : مالَه مَنْ يَحُفُّه ويتفقَّدُه . والرَّفْرَفُ : المنتشِرُ من الأوراقِ . وقولُه { عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ } : ضَرْبٌ من الثياب مُشَبَّه بالرياض . وقيل : الرَّفْرَفُ طرفُ الفُسْطاطِ والخِباءِ الواقعِ على الأرض دونَ الأَطنْابِ والأوتادِ . وذكر الحسن أنه المَخادُّ " انتهى . وقال ابن جُبير : " رياضُ الجنَّة ، مِنْ رَفَّ البيتُ إذا تَنَعَّمَ وحَسُن . وعن ابن عُيَيْنة هي الزَّرابِيُّ . ونُعِت هنا بخُضْر لأنَّ اسمَ الجنسِ يُنْعَتُ بالجمعِ كقولِه : { وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ } [ ق : 10 ] وبالمفرِد . وحَسَّنَ جَمْعَه هنا جَمْعُ حِسان . وقرأ العامَّةُ " رَفْرَفٍ " وقرأ عثمان بن عفان ونصر ابن عاصم وعاصم والجحدري والفرقبي وغيرهم " رَفارِفَ خُضْرٍ " بالجمع وسكونِ الضاد . وعنهم أيضاً " خُضُرٍ " بضم الضاد وهو إتباعٌ للخاء . وقيل : هي لغةٌ في جمع أَفْعَلَ الصفةِ . وأُنْشد لطرفة :

أيها الفتيانُ في مَجْلِسِنا *** جَرِّدُوا منها وِراداً وشُقُرْ

وقال آخر :

وما انْتَمَيْتُ إلى خُوْرٍ ولا كُسُف *** ولا لئامٍ غداةَ الرَّوْع أَوْزاعِ

وقرؤوا " عباقِرِيَّ " بكسر القاف وفتحِها وتشديدِ الياءِ متوحةً/ على مَنْعِ الصرفِ . وهي مُشْكِلَةٌ ؛ إذ لا مانعَ من تنوينِ ياءَيْ النسَبِ ، وكأنَّ هذا القارىءَ تَوَهَّمَ كَوْنَها في مَفاعِل فمنعَها من الصرفِ . وقد رَوَى عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وجماعةٍ " وعباقِرِيٍّ " منوناً ابنُ خالويه ورُوِي عن عاصمٍ " رَفارِفٍ " بالصرف . وقد يُقال في مَنْ مَنَعَ " عباقِرِيَّ " إنَّه لما جاوزَ " رفارِفَ " الممتنعَ امتنع مُشاكلةً . وفي مَنْ صَرَفَ رفارِفَ : إنَّه لما جاوَزَ عباقِريَّاً المنصرفَ صَرَفَه للتناسُب ك { سَلاسلاً وأَغْلالاً } [ الإِنسان : 4 ] كما سيأتي .

وقرأ أبو محمد المروزي وكان نَحْوياً " خَضَّارٍ " كضَرَّاب بالتشديد . وأَفْعَلُ وفَعَّالٌ لا يُعْرَفُ .

والجمهورُ " وعَبْقِرِيٍّ " منسوب إلى عَبْقَر ، تَزْعُم العربُ أنه بلدُ الجن فكلُّ ما عَظَّموه وتعجَّبوا منه قالوا : هذا عَبْقريٌّ . وفي الحديث : " فلم أرَ عَبْقَريَّاً يَفْري فَرِيَّه " والمرادُ به هنا قيل : البُسُط التي فيها صُوَرٌ وتماثيلُ . وقيل : هي الزَّرابِيُّ . وقيل : الطَّنافِسُ . وقيل : الدِّيباج . وعَبْقريّ جمع عَبْقَريَّة ، يعني فيكونُ اسمَ جنسٍ ، كما تقدَّم في رَفْرفَ . وقيل : هو واحدٌ دالٌّ على الجمع ، ولذلك وُصِف بحسان .