المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ} (2)

و «الوزر » الذي وضعه الله عنه هو عند بعض المتأولين الثقل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيرته قبل المبعث إذ كان يرى سوء ما قريش فيه من عبادة الأصنام . وكان لم يتجه له من الله تعالى أمر واضح ، فوضع الله تعالى عنه ذلك الثقل بنبوته وإرساله . وقال أبو عبيدة وغيره المعنى : خففنا عليك أثقال النبوة وأعناك على الناس ، وقال قتادة وابن زيد والحسن وجمهور من المفسرين : الوزر هنا ، الذنوب ، وأصله الثقل ، فشبهت الذنوب به ، وهذه الآية نظير قوله تعالى : { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر }{[11883]} [ الفتح : 2 ] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية قبل النبوة وزره صحبة قومه وأكله من ذبائحهم ونحو هذا ، وقال الضحاك : وفي كتاب النقاش حضوره مع قومه المشاهد التي لا يحبها الله تعالى .

قال القاضي أبو محمد : وهذه كلها ضمها المنشأ كشهوده حرب الفجار ينبل على أعمامه{[11884]} وقلبه في ذلك كله منيب إلى الصواب ، وأما عبادة الأصنام فلم يلتبس بها قط ، وقرأ أنس بن مالك «وحططنا عنك وزرك » ، وفي حرف ابن مسعود «وحللنا عنك وقرك » . وفي حرف أبي «وحططنا عنك وقرك » ، وذكر أبو عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم صوب جميعها ، وقال المحاسبي : إنما وصفت ذنوب الأنبياء بالثقل ، وهي صغائر مغفورة لهمهم بها وتحسرهم عليها .


[11883]:من الآية 2 من سورة الفتح.
[11884]:أي: يلقط لهم النبل ثم يدفعها إليهم ليرموا بها، وفي حديث الفجار: (كنت أيام الفجار أنبل على عمومتي) وروي (كنت أنبل على عمومتي يوم الفجار) –ومعنى هذا أننا يمكن أن نضبط الكلمة: ينبل، ويمكن أن نجعلها بالتشديد: ينبل.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ} (2)

والوِزر : الحَرج ، ووضْعه : حطَّه عن حامله ، والكلام تمثيل لحال إزالة الشدائد والكروب بحال من يحط ثقلاً عن حامله ليريحه من عناء الثقل .

والمعنى : أن الله أزال عنه كل ما كان يتحرج منه من عادات أهل الجاهلية التي لا تلائم ما فَطر الله عليه نفسه من الزكاة والسمو ولا يجد بداً من مسايرتهم عليه فوضع عنه ذلك حين أوحى إليه بالرسالة ، وكذلك ما كان يجده في أول بعثته من ثقل الوحي فيسَّره الله عليه بقوله : { سنقرئك فلا تنسى } إلى قوله : { ونيسرك لليسرى } [ الأعلى : 6 8 ] .