المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ} (17)

{ وقرآنه } يحتمل أن يريد به وقراءته أي تقرأه أنت يا محمد ، والقرآن مصدر كالقراءة ومنه قول الشاعر [ حسان بن ثابت ] في عثمان رضي الله عنه وأرضاه : [ البسيط ]

ضحوا بأشمط عنوان السجود به*** يقطّع الليل تسبيحاً وقرآنا{[11475]}

ويحتمل أن يريد { إن علينا جمعه } وتأليفه في صدر صدرك فهو مصدر من قولك قرأت أي جمعت ، ومنه قولهم في المرأة التي لم تلد ما قرأت نسلا قط{[11476]} ، ومنه قول الشاعر [ عمرو بن كلثوم ] : [ الوافر ]

ذراعي عيطل أدماء بكر*** هجان اللون لم تقرأ جنينا{[11477]}


[11475]:هذا البيت لحسان بن ثابت، وقد جاء في الديوان ضمن أبيات قالها حسان يرثي عثمان ابن عفان رضي الله عنه، وجاء في اللسان أيضا منسوبا إلى حسان مرتين، وقال ابن عبد البر: هذا البيت يختلف فيه، فهو ينسب لغير حسان، وقال بعضهم هو لعمران بن حطان، والأشمط: الذي اختلط سواد شعره ببياض، والقرآن : القراءة ، وهذا هو موضع الاستشهاد هنا، يصف الشاعر عثمان رضي الله عنه بكثرة العبادة التي تظهر في السجود الطويل، وقضاء الليل في التسبيح وقراءة القرآن.
[11476]:هكذا في الأصول إلا في نسخة واحدة فقد جاءت الجملة :ما قرأت سلى قط". وهذا يتفق مع ما في اللسان، ومعناها : ما حملت ملقوحا.
[11477]:البيت من معلقة عمرو بن كلثوم المعروفة، والرواية المشهورة: (ذراعي عيطل)، والعيطل : الطويلة العنق، والأدماء: البيضاء، والبكر: الفتية، و "هجان اللون" معناه: بيضاء، والهجان أيضا: الكريم، و "لم تقرأ أجنينا" معناه: لم تحمل قط، أو لم تضم في رحمها ولدا، ويروى الشطر الثاني (تربعت الأجارع والمتونا)، ومعناه: قضت الربيع في الأجارع وهو من الرمل ما لم يبلغ أن يصير حبلا، أي رملا مستطيلا شبيها بالحبل. والشاهد أن "تقرأ" في البيت بمعنى "تجمع" أو "تضم"، ومنه قولهم: "قرأت الماء في الحوض" أي جمعته.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ} (17)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إن علينا جمعه} في قلبك يا محمد {وقرآنه} حتى نقرئكه حتى تعلمه وتحفظه في قلبك.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد حتى نثبته فيه" وقُرآنَهُ "يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

لأنه قد سبق منا الوعد في الكتب المتقدمة بإنزال هذا القرآن وإرسال هذا الرسول. فعلينا إنجاز ذلك الوعد ووفائه، أو علينا في حق الحكمة جمعه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتبليغ الرسالة، ولا يتهيأ له ذلك إلا بعد أن يجمع له، فيؤديه إلى الخلق، ولأن الله تعالى حكيم في فعله، وفعله موصوف بالحكمة، وإن لم نعرف نحن وجه الحكمة في فعله.

وجائز أن يكون قوله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} في حق الرحمة والرأفة لا أن يكون ذلك حقا لهم قبله تعالى، وهو كقوله تعالى: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} إلى قوله {إلا رحمة من ربك} [الإسراء: 86 و87] فأخبر أنه أبقى القرآن، ولم يذهب به رحمة منه عباده وفضلا.

وقوله تعالى: {وقرآنه} أي قراءته وتسميته قرآنا كما قيل في تأويل قوله: {وقرآنا فرقناه} [الإسراء: 106] أي جعلناه فرقانا.

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

فأعلم الله تعالى أنه لا ينسيه إياه وأنه يجمعه في قلبه فقال {إن علينا جمعه وقرآنه} قراءته عليك حتى تعيه.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ثم علل النهي عن العجلة بقوله {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} في صدرك وإثبات قراءته في لسانك.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 16]

ثم تجيء الآيات الأربع الخاصة بتوجيه الرسول [صلى الله عليه وسلم] في شأن الوحي وتلقي هذا القرآن:

(لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. ثم إن علينا بيانه)..

وبالإضافة إلى ما قلناه في مقدمة السورة عن هذه الآيات، فإن الإيحاء الذي تتركه في النفس هو تكفل الله المطلق بشأن هذا القرآن: وحيا وحفظا وجمعا وبيانا؛ وإسناده إليه سبحانه وتعالى بكليته. ليس للرسول [صلى الله عليه وسلم] من أمره إلا حمله وتبليغه. ثم لهفة الرسول [صلى الله عليه وسلم] وشدة حرصه على استيعاب ما يوحى إليه؛ وأخذه مأخذ الجد الخالص، وخشيته أن ينسى منه عبارة أو كلمة، مما كان يدعوه إلى متابعة جبريل عليه السلام في التلاوة آية آية وكلمة كلمة يستوثق منها أن شيئا لم يفته، ويتثبت من حفظه له فيما بعد!

وتسجيل هذا الحادث في القرآن المتلو له قيمته في تعميق هذه الإيحاءات التي ذكرناها هنا وفي مقدمة السورة بهذا الخصوص.

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

إن في قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ} فيه إشارة إلى أنه نزل مفرقاً، وإشارة إلى أن جمعه على هذا النحو الموجود برعاية وعناية من الله تعالى وتحقيقاً لقوله تعالى {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ} ويشهد لذلك أن هذا الجمع الموجود من وسائل حفظه، كما تعهد تعالى بذلك.