المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَءَاتَىٰنِي مِنۡهُ رَحۡمَةٗ فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنۡ عَصَيۡتُهُۥۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيۡرَ تَخۡسِيرٖ} (63)

قوله : { أرأيتم } هو من رؤية القلب ، أي أتدبرتم ؟ والشرط الذي بعده وجوابه يسد{[6402]} مسد مفعولي { أرأيتم } ، و «البينة » : البرهان واليقين ، والهاء في «بيّنة » للمبالغة ، ويحتمل أن تكون هاء تأنيث ، و «الرحمة » في هذه الآية : النبوة وما انضاف إليها ، وفي الكلام محذوف تقديره أيضرني شككم أو أيمكنني طاعتكم ونحو هذا مما يليق بمعنى الآية{[6403]} .

وقوله { فما تزيدونني غير تخسير } معناه : فما تعطونني فيما أقتضيه منكم من الإيمان وأطلبكم به من الإنابة غير تخسير لأنفسكم ، وهو من الخسارة ، وليس التخسير في هذه الآية إلا لهم وفي حيزهم ، وأضاف الزيادة إليه من حيث هو مقتض لأقوالهم موكل بإيمانهم ، كما تقول لمن توصيه : أنا أريد بك خيراً وأنت تريد بي شراً{[6404]} .

فكأن الوجه البيّن ؛ وأنت تزيد شراً ولكن من حيث كنت مريد خير به ومقتضي ذلك - حسن أن تضيف الزيادة إلى نفسك .


[6402]:- هكذا، وكأنه يريد أن يقول: "يسدّ مع جوابه".
[6403]:- قال في "البحر" تعقيبا على كلام ابن عطية: "وهذا التقدير الذي قدره استشعار منه بالمفعول الثاني الذي يقتضيه [أرأيتم] وأن الشرط وجوابه لا يقعان ولا يسدّان مسدّ مفعولي [أرأيتم]، والذي نقدره نحن هو أنه حين خاطب الجاحدين قال: قدروا أني على بينة من ربي، وانظروا إن تابعتكم وعصيت ربي في أوامره فمن يمنعني من عذابه؟ ويدل عليه قوله: {فمن ينصرني}.
[6404]:- اختلفت النسخ الأصلية في هذه العبارة، واختلف المفسرون في نقلها عن ابن عطية كالألوسي وأبي حيان، فهي مرة بالراء، ومرة بالزاي، مع التعدية إلى المفعول الثاني مرة بنفس الفعل، ومرة بحرف الجر، ولعل الصواب ما أثبتناه.