معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ} (8)

قوله تعالى : { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم } . يعني : النضر بن الحارث . { ولا هدى } بيان . { ولا كتاب منير* }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ} (8)

عطف على جملة { ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث } [ الحج : 5 ] كما عطفت جملة { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير } على جملة { ياأيها الناس اتقوا ربكم } [ الحج : 1 ] . والمعنى : إن كنتم في ريب من وقوع البعث فإنا نزيل ريبكم بهذه الأدلة الساطعة ، فالناسُ بعد ذلك فريقان : فريق يوقن بهذه الدلالة فلا يبقى في ريب ، وفريق من الناس يجادل في الله بغير علم وهؤلاء هم أيّمة الشرك وزعماء الباطل .

وجملة { لا ريب فيها } [ الحج : 7 ] معترضة بين المتعاطفات ، أي ليس الشأن أن يُرتاب فيها ، فلذلك نفي جنس الريب فيها ، أي فالريب .

المعنيُّ بهذه الآية هو المعنيُّ بقوله فيما مضى { ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد } [ الحج : 3 ] ، فيكون المراد فريق المعاندين المكابرين الذين يجادلون في الله بغير علم بعد أن بلغهم الإنذار من زلزلة الساعة ، فهم كذلك يجادلون في الله بغير علم بعد أن وضحت لهم الأدلة على وقوع البعث .

ودافِعُهم إلى الجدال في الله عند سماع الإنذار بالساعة عدمُ علمهم ما يجادلون فيه واتباعهم وسواس الشياطين .

ودافعهم إلى الجدال في الله عند وضوح الأدلة على البعث علم علمهم ما يجادلون فيه ، وانتفاء الهُدى ، وانتفاء تلقي شريعة من قبل ، والتكبر عن الاعتراف بالحجة ، ومحبةُ إضلال الناس عن سبيل الله . فيؤول إلى معنى أن أحوال هؤلاء مختلفة وأصحابها فريق واحد هو فريق أهل الشرك والضلالة . ومن أساطين هذا الفريق من عدّوا في تفسير الآية الأولى مثلُ : النضْر بن الحارث ، وأبي جهل ، وأُبيّ بن خلف .

وقيل : المراد من هذه الآية بمن يجادل في الله : النضر بن الحارث . كُرر الحديث عنه تبييناً لحالتي جداله ، وقيل المراد بمن يجادل في هذه الآية أبو جهل ، كما قيل : إن المراد في الآية الماضية النضر بن الحارث فجعلت الآية خاصة بسبب نزولها في نظر هذا القائل . وروي ذلك عن ابن عباس . وقيل : هو الأخنَس بن شَريق . وتقدم معنى قوله { بغير علم } في نظير هذه الآية . وقيل المراد ب { من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد } [ الحج : 3 ] المقلدون بكسر اللام من المشركين الذين يتّبعون ما تمليه عليهم سادة الكفر ، والمراد ب { من يجادل في الله بغير علم ولا هدى } المقلّدون بفتح اللام أئمة الكفر .

والهدى مصدر في معنى المضاف إلى مفعوله ، أي ولا هُدى هو مَهدِي به . وتلك مجادلة المقلّد إذا كان مقلداً هادياً للحق مثل أتباع الرسل ، فهذا دون مرتبَة من يجادل في الله بعلم ، ولذلك لم يستغن بذكر السابِق عن ذكر هذا .

والكتاب المُنير : كُتب الشرائع مثل : التوراة والإنجيل ، وهذا كما يجادلُ أهلُ الكتاب قبل مجيء الإسلام المشركين والدهريين فهو جدال بكتاب منير .

والمنير : المبين للحق . شبه بالمصباح المضيء في الليل .

ويجيء في وصف { كتاب } بصفة { مُنير } تعريض بالنضر بن الحارث إذ كان يجادل في شأن الإسلام بالموازنة بين كتاب الله المنير وبين كتاب أخبار رُستم ، وكتاب أخبار أسفنديار المظلمة الباطلة .