فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ} (8)

{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي } شأن { اللَّهِ } كقول من قال : عن الملائكة بنات الله والمسيح ابن الله وعزيرا ابن الله ، قيل نزلت في النضر بن الحرث وقيل في أبي جهل ، وقيل في رجل من بني عبد الدار ، قاله ابن عباس ، وقيل هي عامة لكل من يتصدى لإضلال الناس وإغوائهم وعلى كل حال فالاعتبار بما يدل عليه اللفظ وإن كان السبب خاصا .

والمعنى ومن الناس فريق يجادل في الله فيدخل في ذلك كل مجادل في ذات الله أو صفاته أو شرائعه الواضحة { بغير علم } أي كائنا بغير علم ، قيل والمراد بالعلم هو العلم الضروري { ولا هدى } وهو العلم النظري الاستدلالي ، لأن الدليل يهدي إلى المعرفة ، والأولى حمل العلم على العموم وحمل الهدى على معناه اللغوي وهو الإرشاد .

{ ولا كتاب } أي وحي { منير } وهو القرآن ، والمعنى أنه يجادل من غير مقدمة ضرورية ولا نظرية ولا سمعية والعلم للإنسان من أحد هذه الوجوه الثلاثة والمنير : النير البين الحجة الواضح البرهان ، وهو إن دخل تحت قوله بغير علم فإفراده بالذكر كإفراد جبريل بالذكر بعد ذكر الملائكة وذلك لكونه الفرد الكامل الفائق على غيره من أفراد العلم ، وأما من حمل العلم على الضروري والهدى على الاستدلالي ، فقد حمل الكتاب هنا على الدليل السمعي فتكون الآية متضمنة لنفي الدليل العقلي ضروريا كان أو استدلاليا ، ومتضمنة لنفي الدليل النقلي بأقسامه وما ذكرناه أولى . قيل والمراد بهذا المجادل في هذه الآية هو المجادل في الآية الأولى أعني قوله : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } وبذلك قال كثير من المفسرين والتكرير للمبالغة في الذم ، كما تقول لرجل تذمه وتوبخه : أنت فعلت هذا ! أنت فعلت هذا ! ويجوز أن يكون التكرير لكونه وصفه في كل آية بزيادة ما وصفه به في الآية الأخرى ، وقيل الآية الأولى واردة في المقلدين اسم فاعل ، والثانية في المقلدين اسم مفعول ، ذكره الزمخشري وقال وهو أوفق وأظهر بالمقام انتهى .

ولا وجه لهذا كما أنه لا وجه لقول من قال إن الآية الأولى خاصة بإضلال المتبوعين لتابعيهم ، والثانية عامة في كل إضلال وجدال .