إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ} (8)

{ وَمِنَ الناس مَن يجادل في الله } هو أبُو جهلٍ بنُ هشامٍ حسبَما رُوي عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهُما ، وقيل : هُو من يتصدَّى لإضلالِ النَّاسِ وإغوائِهم كائناً مَن كان كما أنَّ الأولَ من يُقلدهم على أنَّ الشَّيطانَ عبارةٌ عن المضلِّ المُغوي على الإطلاقِ { بِغَيْرِ عِلْمٍ } متعلِّق بمحذوفٍ وقعَ حالاً من ضميرِ يجادلُ أي كائناً بغيرِ علمٍ والمرادُ العلمُ الضَّروريُّ كما أنَّ المرادَ بالهُدى في قوله تعالى : { وَلاَ هُدًى } هو الاستدلالُ والنَّظرُ الصَّحيحُ الهادي إلى المعرفةِ { وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ } وحي مظهرٍ للحقِّ أي يجادل في شأنِه تعالى من غير تمسُّكٍ بمقدِّمةٍ ضروريةٍ ولا بحجَّةٍ نظريةٍ ولا ببرهانٍ سمعيَ كما في قوله تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } وأما ما قيلَ من أنَّ المرادَ به المجادلُ الأوَّلُ والتَّكريرُ للتَّأكيدِ والتَّمهيدِ لما بعدَهُ من بيانِ أنَّه لا سندَ له من استدلالٍ أو وحيٍ فلا يُساعدُه النَّظمُ الكريمُ ، كيفَ لا وإنَّ وصفَه باتِّباعِ كلِّ شيطانٍ موصوفٍ بما ذُكر يُغني عن وصفِه بالعراءِ عن الدَّليلِ العقليِّ والسِّمعيِّ .