معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ} (37)

قوله تعالى : { إن هي } يعنون الدنيا ، { إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا } قيل فيه تقديم وتأخير ، أي : نحيا ونموت لأنهم كانوا ينكرون البعث بعد الموت . وقيل : يموت الآباء ويحيا الأبناء . وقيل : يموت قوم ويحيا قوم . { وما نحن بمبعوثين } بمنشرين بعد الموت .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ} (37)

قوله : { إن هي إلا حياتنا الدنيا } يَجوز أن يكون بياناً للاستبعاد الذي في قوله : { هيهات لما توعدون } واستدلالاً وتعليلاً له ، ولكلا الوجهين كانت الجملة مفصولة عن التي قبلها .

وضمير { هي } عائد إلى ما لم يسبق في الكلام بل عائد على مذكور بعده قصداً للإبهام ثم التفصيل ليتمكن المعنى في ذهن السامع . وهذا من مواضع عود الضمير على ما بعده إذا كان ما بعده بياناً له ، ولذلك يجعل الاسم الذي بعد الضمير عطف بيان .

ومنه قول الشاعر أنشده في « الكشاف » المصراع الأول وأثبته الطيبي كاملاً :

هي النفس ما حملتها تتحمل *** وللدهر أيام تجور وتعدل

وقول أبي العلاء ( المعري )

هو الهجر حتى ما يُلم خيال *** وبعضُ صدود الزائرين وصال

ومبيّن الضمير هنا قوله { إلا حياتنا } فيكون الاسم الذي بعد ( إلا ) عطف بيان من الضمير . والتقدير : إن حياتنا إلا حياتنا الدنيا . ووصفها بالدنيا وصف زائد على البيان فلا يقدر مثله في المبيَّن .

وليس هذا الضمير ضمير القصة والشأن لعدم صلاحية المقام له . ولأنه في الآية مفسَّر بالمفرد لا بالجملة وكذلك في بيت أبي العلاء .

ولأن دخول ( لا ) النافية عليه يأبى من جعله ضمير شأن إذ لا معنى لأن يقال : لا قصة إلا حياتنا ، فدخلت عليه ( لا ) النافية للجنس لأنه في معنى اسم جنس لتبيينه باسم الجنس وهو { حياتنا } . فالمعنى ليست الحياة إلا حياتنا هذه ، أي لا حياة بعدها .

والدنيا : مؤنث الأدنى ، أي القريبة بمعنى الحاضرة .

وضمير { حياتنا } مراد به جميع القوم الذين دعاهم رسولهم . فقولهم : { نموت ونحيا } معناه : يموت هؤلاء القوم ويحيا قوم بعدهم . ومعنى { نَحْيَا } : نولد ، أي يموت من يموت ويولد من يولد ، أو المراد : يموت من يموت فلا يَرجع ويحيا من لم يمت إلى أن يموت . والواو لا تفيد ترتيباً بين معطوفها والمعطوف عليه . وعقبوه بالعطف في قوله : { وما نحن بمبعوثين } أي لا نحيا حياة بعد الموت .

وهو عطف على جملة { نموت ونحيا } باعتبار اشتمالها على إثبات حياة عاجلة وموت ، فإن الاقتصار على الأمرين مفيد للانحصار في المقام الخطابي مع قرينة قوله : { إن هي إلا حياتنا الدنيا } . وأفاد صوغ الخبر في الجملة الاسميَّة تقوية مدلوله وتحقيقه .