اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ} (37)

قوله : «إنْ هِيَ » «هي » ضمير يفسره سياق الكلام ، أي : إن الحياة{[32782]} إلا حياتنا{[32783]} .

وقال الزمخشري : هذا ضمير لا يعلم ما يُراد به إلاَّ بما يتلوه من بيانه ، وأصله : إن الحياة { إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا } ، فوضع «هي » موضع «الحياة »{[32784]} لأنّ الخبر يدل عليها ويبينها ، ومنه : هي النَّفْس تتحمل مَا حُمِّلَتْ ، وهي العَرَبُ تقول ما شَاءَتْ{[32785]} . وقد جعل بعضهم هذا القسم مما يفسر بما بعده لفظاً ورتبةً ، ونسبه إلى الزمخشري متعلقاً بما نقلناه عنه . قال شهاب الدين : ولا تعلق له في ذلك {[32786]} .

قوله : «نَمُوتُ ونَحْيَا » جملة مفسرة لما ادّعوه من أنَّ حياتهم ما هي إلا كذا . وزعم بعضهم أنَّ فيها دليلاً على عدم الترتيب في الواو{[32787]} ، إذ المعنى : نحيا ونموت إذ هو الواقع .

ولا دليل فيها لأنّ الظاهر من معناها يموت البعض منا ويحيا آخرون وهلم جرًّا يسير إلى انقراض العصر ويخلف غيره مكانه . وقل : نموت نحن ويحيا أبناؤنا .

وقيل : القوم كانوا يعتقدون الرجعة أي : نموت ثم نحيا بعد ذلك الموت .

فصل

اعلم أنَّ القوم طعنوا{[32788]} في نبوّته بكونه بشراً يأكل ويشرب ، ثم جعلوا طاعته خسراناً : أي : إنكم إن أعطيتموه الطاعة من غير أن يكون لكم بإزائها نفع ، فذلك هو الخسران ، ثم طعنوا في صحة الحشر والنشر ، فقالوا : { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } معادون أحياء للمجازاة ، ثم لم يقتصروا على هذا القدر حتى قرنوا به الاستبعاد العظيم ، فقالوا : { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ } ثم أكدوا{[32789]} ذلك بقولهم : { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا } ولم يريدوا بقولهم : «نَمُوتُ ونَحْيَا » الشخص الواحد ، بل أرادوا أن البعض يموت والبعض يحيا ، وأنه لا إعادة ولا حشر فلذلك قالوا : { وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } .


[32782]:في النسختين: حالتكم.
[32783]:في الأصل: كحياتنا.
[32784]:في النسختين: حياتنا.
[32785]:الشاهد في هذين القولين أن الضمير مبتدأ يفسر بالخبر، وهو من المواضع التي يكون مفسر الضمير فيها مؤخرا، وتقدم الحديث عن المواضع التي يعود فيها الضمير على متأخر لفظا ورتبة.
[32786]:لأن الزمخشري أراد أن المثالين يمكن حملهما على ذلك، لأنه متعين فيهما. الدر المصون 5/ 88.
[32787]:الواو العاطفة لمطلق الجمع، أي: الاجتماع في الفعل من غير تقييد بحصوله من كليهما في زمان أو سبق أحدهما فقولك جاء زيد وعمرو، يحتمل على السواء أنهما جاءا معا، أو زيد جاء أولا أو آخرا، ومن ورودها في المصاحب قوله تعالى: {فأنجيناه وأصحاب السفينة} [العنكبوت: 15] وفي السابق قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم} [الحديد: 26] وفي المتأخر قوله تعالى: {كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك} [الشورى: 3]. وقول السيرافي: إن النحويين واللغويين أجمعوا على أنها لا تفيد الترتيب. مردود، بل قال بإفادتها إياه قطرب والربعي والفراء وثعلب وأبو عمر الزاهد وهشام والشافعي. المغني 2/354-355، الهمع 128 – 129.
[32788]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/99.
[32789]:في ب: ثم أكد.