معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخۡلُقُ بَنَاتٖ وَأَصۡفَىٰكُم بِٱلۡبَنِينَ} (16)

قوله تعالى : { أم اتخذ مما يخلق بنات } هذا استفهام توبيخ وإنكار ، يقول : اتخذ ربكم لنفسه البنات ، { واصطفاكم بالبنين } كقوله : { أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا }( الإسراء-40 ) .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخۡلُقُ بَنَاتٖ وَأَصۡفَىٰكُم بِٱلۡبَنِينَ} (16)

وقوله تعالى : { أم اتخذ } إضراب وتقرير ، وهذه حجة بالغة عليهم . إذ المحمود من الأولاد والمحبوب قد خوله الله بني آدم ، فكيف يتخذ هو لنفسه النصيب الأدنى . { وأصفاكم } معناه : خصكم وجعل ذلك صفوة لكم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخۡلُقُ بَنَاتٖ وَأَصۡفَىٰكُم بِٱلۡبَنِينَ} (16)

{ أم } للإضراب وهو هنا انتقالي لانتقال الكلام من إبطال معتقدهم بنوة الملائكة لله تعالى بما لزمه من انتقاص حقيقة الإلهية ، إلى إبطاله بما يقتضيه من انتقاص ينافي الكمال الذي تقتضيه الإلهية . والكلام بعد { أم } استفهام ، وهو استفهام إنكاري كما اقتضاه قوله : { وأصفاكم بالبنين } . ومحل الاستدلال أن الإناث مكروهة عندهم فكيف يجعلون لله أبناءً إناثاً وهلاَّ جعلوها ذكوراً . وليست لهم معذرة عن الفساد المنجرّ إلى معتقدهم بالطريقتين لأن الإبطال الأول نظري يقيني والإبطال الثاني جدليّ بديهي قال تعالى : { ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذاً قسمةٌ ضيزى } [ النجم : 21 ، 22 ] . فهذه حجة ناهضة عليهم لاشتهارها بينهم .

ولما ادَّعت سَجَاححِ بنتُ الحارث النبوءة في بني تميم أيام الردة وكان قد ادّعى النبوءةَ قبلها مُسَيْلمةُ الحنفي ، والأسود العَنْسي ، وطُليحة بن خويلد الأسدي ، قال عُطاردُ بن حاجب التميمي :

أضحت نبيئتُنا أنثى نُطيف بها *** وأصبحتْ أنبياء النّاس ذكرانا

وأوثر فعل { اتّخذ } هنا لأنه يشمل الاتخاذ بالولادة ، أي بتكوين الانفصال عن ذات الله تعالى بالمزاوجة مع سَرَوات الجنّ ، ويشمل ما هو دون ذلك وهو التبنّي فعَلَى كِلا الفَرضين يتوجه إنكارُ أن يكون ما هو لله أدْوَنَ مما هوَ لهم كما قال تعالى : { ويجعلون لله ما يكرهون } [ النحل : 62 ] . وقد أشار إلى هذا قوله : { وأصفاكم بالبنين } ، فهذا ارتقاء في إبطال معتقدهم بإبطال فرض أن يكون الله تبنَّى الملائكة ، سَدًّا على المشركين بابَ التأول والتنصللِ من فساد نسبتهم البناتِ إلى الله ، فلعلّهم يقولون : ما أردنا إلا التبني ، كما تنصلوا حين دمغتهم براهين بطلان إلهية الأصنام فقالوا : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] ، وقالوا : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] .

واعلم أن ما تُؤذن به { أم } حيثما وقعتْ من تقدير استفهام بعدها هو هنا استفهام في معنى الإنكار وتسلط الإنكار على اتخاذ البنات مع عدم تقدم ذكر البنات لكوْننِ المعلوممِ من جعل المشْركين لله جزءاً أن المجعول جزءاً له هو الملائكة وأنهم يجعلون الملائكة إناثاً ، فذلك معلوم من كلامهم . وجملة { وأصفاكم بالبنين } في موضع الحال .

والنفي الحاصل من الاستفهام الإنكاري منصبّ إلى قيد الحال ، فحصل إبطال اتخاذ الله البناتِ بدليلين ، لأن إعطاءَهم البنين واقع فنفي اقترانه باتخاذه لنفسه البنات يقتضي انتفاء اتخاذه البنات فالمقصود اقتران الإنكار بهذا القيد . وبهذا يتضح أن الواو في جملة { وأصفاكم } ليست واو العطف لأن إنكار أن يكون أصفاهم بالبنين لا يقتضي نفي الأولاد الذكور عن الله تعالى . والخطابُ في { وأصفاكم } موجه إلى الذين جعلوا له من عباده جزءاً ، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ليكون الإنكار والتوبيخ أوقع عليهم لمواجهتهم به .

وتنكير { بنات } لأن التنكير هو الأصل في أسماء الأجناس . وأما تعريف { البنين } باللام فهو تعريف الجنس المتقدم في قوله : { الحمدُ لله } في سورة الفاتحة ( 2 ) . والمقصود منه هنا الإشارة إلى المعروف عندهم المتنافَس في وجوده لديهم وتقدم عند قوله { يهب لمن يشاء إناثاً ويَهَب لمن يشاء الذّكور } في سورة الشورى ( 49 ) .

وتقديم { البنات } في الذكر على { البنين } لأن ذكرهن أهم هنا إذ هو الغرض المسوق له الكلام بخلاف مقام قوله : { أفأصفاكم ربّكم بالبنين واتخذ من الملائكة إِناثاً } في سورة الإسراءِ ( 40 ) . ولِمَا في التقديم من الردّ على المشركين في تحقيرهم البنات وتطيُّرِهم منهن مثل ما تقدم في سورة الشورى .

والإصفاء : إعطاء الصفوة ، وهي الخيار من شيء .