اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخۡلُقُ بَنَاتٖ وَأَصۡفَىٰكُم بِٱلۡبَنِينَ} (16)

قوله : { أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ } هذا استفهام توبيخ وإنكار ، يقول اتخذ رَبُّكُمْ لِنَفْسِهِ البَنَاتِ و«أصْفَاكُمْ » أخلَصكم بالبَنين يقال : أصْفَيْتُ فُلاَناً أي آثَرْتُهُ به إيثَاراً حصل له على سبيل الصفاء من غير أن يكون فيه مشارك ، كقوله : { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بالبنين }{[49684]} [ الإسراء : 40 ] فقوله : «وأصْفَاكُمْ » يجوز أن يكون داخلاً في حيز الإنكار معطوفاً على «اتَّخَذَ » ، ويجوز أن يكون حالاً ، أي أَمِ اتَّخَذَ في هذه الحالة{[49685]} . و«قد » مقدرة{[49686]} عن الجُمْهُورِ .

فصل

واعلم أن الله تعالى رَتَّبَ هذه المناظر على أحسن الوجوه ، وذلك لأنه بين أن إثبات الولد لله محال ، وبتقدير أن ثبت الولد فجعله بنْتاً محالٌ أيضاً .

أما بيان أن إثباتَ الولد لله محال ؛ فلأن الوَلَدَ لا بدّ وأن يكون جُزْءاً من الوَالِدِ ، ولَمَّا{[49687]} كان له جزء كان مركباً ، وكل مركب ممكن وأيضاً ما كان كذلك ، فإنه يقبل الاتِّصالَ والانْفِصَالَ والاجْتَمَاعَ والافْتِرَاقَ وما كان كذلك فهو مُحْدَث عبد ، فلا يكون إلهاً قديماً أزليًّا{[49688]} .

وأما المقام الثاني وهو أن يكون لله ولد فإنه يمتنع أن يكون بنتاً ، لأن الابن أفضلُ من البنت فلو اتخذ لنفسه النبات وأعطى البنينَ لعباده لزم أن يكون حال العبد أفضل وأكمل من حال الله ، وذلك مدفوع ببديهة العقل{[49689]} .


[49684]:وهو بتوضيح وتفصيل من المؤلف لما في القرطبي 16/70.
[49685]:نقله في الدر المصون 4/776.
[49686]:نقل الإمام السيوطي في الهمع أن الماضي المثبت المتصرف غير التالي إلا، والمتلو بأو العاري من الضمير إيجاب قد مع الواو كقوله: فجئت وقد نضت لنوم ثيابها. فإن كان جامدا كليس، أو منفيا، فلا نحو: جاء زيد وما طلعت اللشمس ثم قال: هذا ما جزم به المتأخرون كابن عصفور، والأبذي، والجزولي، وهو قول الفارسي، والمبرد. قال أبو حيان: والصحيح وقوع الماضي حالا بدون "قد" ولا يحتاج إلى تقديرها لكثرة ورود ذلك وتأول الكثير ضعيف جدا، لأنا إنما نبني المقاييس العربية على وجود الكثرة. وهذا مذهب الأخفش أيضا فيما نقله صاحب اللباب عن الكوفيين، وابن الأصبغ عن الجمهور. انظر الهمع 1/247 بتصرف.
[49687]:في ب والرازي: وما كان له جزء، بدون اللام.
[49688]:كذا في الرازي وفي ب فقط أوليا.
[49689]:وانظر في هذا كله تفسير الرازي 27/201.