معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ} (13)

قوله تعالى : { لتستووا على ظهوره } ذكر الكناية لأنه ردها إلى ما . { ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه } بتسخير المراكب في البر والبحر ، { وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا } ذلل لنا هذا ، { وما كنا له مقرنين } مطيقين ، وقيل : ضابطين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ} (13)

واللام في قوله : { لتستووا } لام الأمر ، ويحتمل أن تكون لام كي ، و { ما } في قوله : { ما تركبون } واقعة على النوع المركوب ، والضمير في : { ظهوره } عائد على النوع الذي وقعت عليه { ما } .

وقد بينت آية ما يقال عند ركوب الفلك ، وهو : { باسم الله مجراها ومرساها ، إن ربي لغفور رحيم }{[10185]} وإنما هذه خاصة فيما يركب من الحيوان ، ويقال عند النزول منها : اللهم أنزلنا منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين . والسنة للراكب إذا ركب أن يقول : الحمد لله على نعمة الإسلام ، أو على النعمة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، أو على النعمة في كل حال ، وقد روي هذا اللفظ عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { سبحان الذي }{[10186]} الآية ، وركب أبو مجلز لاحق بن حميد وقال : «سبحان الله » الآية ، ولم يذكر نعمة ، وسمعه الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال : ما هكذا أمرتم ، قال أبو مجلز ، فقلت له : كيف أقول ؟ قال : قل الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، أو نحو هذا ، ثم تقول بعد ذلك : { سبحان الذي } الآية ، وكان طاوس إذا ركب قال : اللهم هذا من منك وفضلك ، ثم يقول : { سبحان الذي } الآية ، وإن قدرنا أن ذكر النعمة هو بالقلب والتذكير بدأ الراكب : ب { سبحان الذي سخر } ، وهو يرى نعمة الله في ذلك وفي سواه .

والمقرن : الغالب الضابط المستولي على الأمر المطيق له . وروي أن بعض الأعراب ركب جملاً فقيل له قل : { سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } فقال : أما والله إني لمقرن تياه ، فضرب به الجمل فوقصه فقتله .


[10185]:من الآية (41) من سورة هود.
[10186]:حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه رواه الإمام أحمد عن علي بن ربيعة، ورواه أبو داود، والترمذي، والنسائي من حديث أبي الأحوص، وقال الترمذي: حسن صحيح، وزاد النسائي ومنصور عن علي بن ربيعة الوالبي به، وزاد الإمام السيوطي نسبته إلى الطيالسي، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، والحديث كما ذكره السيوطي: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتي بدابة، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثلاثا، والله أكبر، ثلاثا، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، سبحانك لا إله إلا أنت، قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقلت: مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت ثم ضحك، فقلت: يا رسول اله مم ضحكت؟ فقال: يعجب الرب من عبده إذا قال رب اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لِتَسۡتَوُۥاْ عَلَىٰ ظُهُورِهِۦ ثُمَّ تَذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ رَبِّكُمۡ إِذَا ٱسۡتَوَيۡتُمۡ عَلَيۡهِ وَتَقُولُواْ سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُۥ مُقۡرِنِينَ} (13)

والاستواء الاعتِلاء . والظهورُ : جمع ظَهر ، والظهر من علائق الأنعام لا من علائق الفلك ، فهذا أيضاً من التغليب . والمعنى : على ظهوره وفي بطونه . فضمير { ظهوره } عائد إلى { ما } الموصولة الصادق بالفلك والأنعام كما هو قضية البيان ، على أن السفائن العظيمة تكون لها ظهور ، وهي أعاليها المجعولة كالسطوح لِتقي الراكبين المطر وشدة الحر والقرّ . ولذلك فجمع الظهور من جمع المشترك والتعدية بحرففِ { على } بنيت على أن للسفينة ظهراً قال تعالى : { فإذا استويتَ أنت ومن معك على الفلك } [ المؤمنون : 28 ] .

وقد جُعل قوله : { لتستووا على ظهوره } توطئة وتمهيداً للإشارةِ إلى ذكر نعمة الله في قوله : { ثم تذكروا نعمة ربّكم إذا استويتم عليه } أي حينئذٍ ، فإن ذكر النعمة في حال التلبّس بمنافعها أوقع في النفس وأدعَى للشكر عليها . وأجدر بعدم الذهول عنها ، أي جعل لكم ذلك نعمة لتشعروا بها فتشكروه عليها ، فالذكر هنا هو التذكر بالفكر لا الذكر باللسان .

وهذا تعريض بالمشركين إذ تقلبوا في نعم الله وشكروا غيره إذ اتخذوا له شركاء في الإلهية وهم لم يشاركوه في الأنعام . وذكْرُ النعمة كناية عن شكرها لأن شكر المنعِم لازم للإنعام عرفاً فلا يَصرف عنه إلاّ نسيانُه فإذا ذكره شكر النعمة .

وعطف على { تذكروا نعمة ربّكم } قوله : { وتقولوا سبحان الذي سخّر لنا هذا } ، أي لتشكروا الله في نفوسكم وتُعلِنوا بالشكر بألسنتكم ، فلقنهم صيغةَ شكر عناية به كما لقّنهم صيغة الحمد في سورة الفاتحة وصيغةَ الدعاء في آخر سورة البقرة .

وافتتح هذا الشكر اللّساني بالتسبيح لأنه جامع للثناء إذ التسبيح تنزيه الله عما لا يليق ، فهو يدلّ على التنزيه عن النقائص بالصريح ويدلّ ضمناً على إثبات الكمالات لله في المقام الخطابي . واستحضار الجلالة بطريق الموصولية لما يؤذن به الموصول من علة التسبيح حتى يصير الحمد الذي أفادهُ التسبيح شكراً لتعليله بأنه في مقابلة التسخير لنا . واسم الإشارة موجه إلى المركوب حينما يقول الراكب هذه المقالة من دابّة أو سفينة .

والتسخير : التذييل والتطويع . وتسخير الله الدواب هو خلقه إيّاها قابلة للترويض فاهمة لمراد الرّاكب ، وتسخير الفلك حاصل بمجموع خلق البحر صالحاً لسبح السفن على مائه ، وخلق الرياح تهبّ فتدفع السفن على الماء ، وخلق حيلة الإنسان لصنع الفلك ، ورصد مهابّ الرياح ، ووضع القلوع والمجاذيف ، ولولا ذلك لكانت قوة الإنسان دون أن تبلغ استخدام هذه الأشياء القوية . ولهذا عقب بقوله : { وما كنّا له مُقْرِنين } أي مطيقين ، أي بمجرد القوة الجسدية ، أي لولا التسخير المذكور ، فجملة { وما كُنَّا له مقرنين } في موضع الحال من ضمير { لنا } أي سخرها لنا في حال ضعفنا بأن كان تسخيره قائماً مقام القوة .

والمُقرن : المطيق ، يقال : أقرن ، إذا أطاق ، قال عمرو بن معديكرب :

لقد علم القبائل ما عُقَيل *** لنا فِي النائبات بمُقْرِنينا

وخُتم هذا الشكر والثناء بالاعتراف بأن مرجعنا إلى الله ، أي بعد الموت بالبعث للحساب والجزاء ، وهذا إدماج لتلقينهم الإقرار بالبعث .

وفيه تعريض بسؤال إرجاع المسافر إلى أهله فإن الذي يقدر على إرجاع الأموات إلى الحياة بعد الموت يُرْجَى لإرجاع المسافر سالماً إلى أهله .