معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (7)

قوله تعالى : { والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين } قرأ نافع ويعقوب أن خفيفة وكذلك الثانية لعنة الله رفع ، ثم يعقوب قرأ غضب بالرفع ، وقرأ نافع غضب بكسر الضاد وفتح الباء على الماضي الله رفع ، وقرأ الآخرون ( أن ) بالتشديد فيهما ، لعنة نصب ، وغضب بفتح الضاد على الاسم ، الله جر ، وقرأ حفص عن عاصم والخامسة الثانية نصب ، أي : ويشهد الشهادة الخامسة ، وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وخبره في إن كالأولى . وسبب نزول هذه الآية .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب ، عن مالك عن ابن شهاب : " أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمرا العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له : يا عاصم أرأيت لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه ، أم كيف يفعل ؟ سل لي عن ذلك يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رجل عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال له : يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عاصم لعويمر ، لم تأتني بخبر ، قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها ، فقال عويمر ، والله لا أنتهي حتى أسأله عنها ، فجاء عويمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس فقال : يا رسول الله أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها ، فقال سهل : فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم " . قال مالك قال ابن شهاب : فكانت تلك سنة المتلاعنين . وقال محمد بن إسماعيل أنبأنا إسحاق ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا الأوزاعي ، أنبأنا الزهري ، بهذا الإسناد بمثل معناه وزاد : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انظروا فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين ، خدلج الساقين ، فلا أحسب عويمراً إلا قد صدق عليها ، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة ، فلا أحسب عويمر إلا قد كذب عليها ، فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر . فكان بعد ينسب إلى أمه " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا محمد بن عبد الله التميمي ، أنبأنا أحمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا محمد بن بشار ، أنبأنا ابن أبي عدي ، عن هشام بن حسان ، أنبأنا عكرمة ، عن ابن عباس ، " أن هلال بن أمية قذف امرأته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : البينة أو حد في ظهرك ، فقال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة ؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : البينة وإلا حد في ظهرك ، فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد ، فنزل جبريل وأنزل عليه : { والذين يرمون أزواجهم } فقرأ حتى بلغ { إن كان من الصادقين } فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما ، فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يعلم أن أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب ؟ ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا إنها موجبة ، قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين ، سابغ الأليتين ، خدلج الساقين ، فهو لشريك بن سحماء ، فجاءت به كذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن " . وروى عكرمة عن ابن عباس : قال لما نزلت : { والذين يرمون المحصنات } الآية . قال سعد بن عبادة : " لو أتيت لكاع وقد تفخذها رجل لم يكن لي أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء ، فوالله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ من حاجته ويذهب ، وإن قلت ما رأيت إن في ظهري لثمانين جلدة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما قال سيدكم ؟ قالوا : لا تلمه ، فإنه رجل غيور ، ما تزوج امرأة قط إلا بكراً ، ولا طلق امرأة له فاجترأ رجل منا أن يتزوجها ، فقال سعد : يا رسول الله بأبي أنت وأمي والله إني لأعرف أنها من الله وأنها حق ولكن عجبت من ذلك لما أخبرك الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فإن الله يأبى إلا ذلك ، فقال صدق الله ورسوله ، قال : فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى جاء ابن عم له يقال له هلال بن أمية من حديقة له ، فرأى رجلاً مع امرأته يزني بها ، فأمسك حتى أصبح ، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه ، فقال : يا رسول الله إني جئت أهلي عشاءً فوجدت رجلاً مع امرأتي ، رأيت بعيني وسمعت بأذني ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتاه به ، وثقل عليه حتى عرف ذلك في وجهه ، فقال هلال : والله يا رسول الله إني لأرى الكراهية في وجهك مما أتيتك به ، والله يعلم إني لصادق وما قلت إلا حقاً ، وإني لأرجو أن يجعل الله لي فرجاً ، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربه ، قال : واجتمعت الأنصار فقالوا ابتلينا بما قال سعد ، أيجلد هلال وتبطل شهادته ؟ وإنهم لكذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه ، إذ نزل عليه الوحي ، فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أن الوحي قد نزل عليه ، حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمسكوا ، فأنزل الله عز وجل : { والذين يرمون أزواجهم } إلى آخر الآيات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبشر يا هلال فإن الله قد جعل لك فرجاً فقال : لقد كنت أرجو ذلك من الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسلوا إليها ، فجاءت ، فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لها فكذبت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ؟ فقال هلال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي قد صدقت وما قلت إلا حقاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعنوا بينهما ، فقيل لهلال : اشهد ، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، فقال له عند الخامسة : يا هلال اتق الله ، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن عذاب الله أشد من عذاب الناس ، وإن هذه الخامسة هي الموجبة التي توجب عليك العذاب ، فقال هلال : والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشهد الخامسة : أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ثم قال للمرأة : اشهدي ، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، فقال لها عند الخامسة ووقفها : اتقي الله فإن الخامسة موجبة وإن عذاب الله أشد من عذاب الناس ، فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف ثم قالت : والله لا أفضح قومي ، فشهدت الخامسة : أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى بأن الولد لها ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن جاءت به كذا وكذا فهو لزوجها وإن جاءت به كذا وكذا فهو للذي قيل فيه ، فجاءت به غلاماً كأنه جمل أورق ، على الشبه المكروه ، وكان بعد أميراً على مصر ، لا يدري من أبوه " . وقال ابن عباس في سائر الروايات ، ومقاتل : لما نزلت : { والذين يرمون المحصنات } الآية ، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر فقام عاصم بن عدي الأنصاري فقال : جعلني الله فداك ، إن رأى رجل منا مع امرأته رجلاً فأخبر بما رأى جلد ثمانين جلدة ، وسماه المسلمون فاسقا ، ولا تقبل شهادته أبداً ، فكيف لنا بالشهداء ونحن إذا التمسنا الشهداء كان الرجل فرغ من حاجته ومر ، وكان لعاصم هذا ابن عم يقال له : عويمر ، وله امرأة يقال لها : خولة بنت قيس بن محصن ، فأتى عويمر عاصماً وقال : لقد رأيت شريك بن السمحاء على بطن امرأتي خولة ، فاسترجع عاصم ، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمعة الأخرى ، فقال : يا رسول الله ما أسرع ما ابتليت بالسؤال الذي سألت في الجمعة الماضية في أهل بيتي ، فأخبره وكان عويمر وخولة وشريك كلهم بني عم عاصم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم جميعاً ، وقال لعويمر : اتق الله في زوجتك وابنة عمك ولا تقذفها بالبهتان فقال : يا رسول الله أقسم بالله إني رأيت شريكاً على بطنها وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر ، وإنها حبلى من غيري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة : اتقي الله ولا تخبري إلا بما صنعت فقالت : يا رسول الله إن عويمراً رجل غيور ، وإنه رآني وشريكاً يطيل السمر ونتحدث ، فحملته الغيرة على ما قال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لشريك : ما تقول ؟ فقال : ما تقوله المرأة كذب ، فأنزل الله عز وجل : { والذين يرمون أزواجهم } الآية ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نودي الصلاة جامعة ، فصلى العصر ثم قال لعويمر : قم ، فقام فقال : أشهد بالله بأن خولة زانية وإني لمن الصادقين ، ثم قال في الثانية أشهد بالله إني رأيت شريكاً على بطنها ، وإني لمن الصادقين ، ثم قال في الثالثة أشهد بالله إنها حبلى من غيري وإني لمن الصادقين ، ثم قال في الرابعة أشهد بالله إني ما قربتها منذ أربعة أشهر وإني لمن الصادقين ، ثم قال في الخامسة : لعنة الله على عويمر : يعني نفسه إن كان من الكاذبين فيما قال ، ثم أمره بالقعود ، وقال لخولة : قومي فقامت ، فقالت : أشهد بالله ما أنا بزانية وإن عويمر لمن الكاذبين ، ثم قالت في الثانية أشهد بالله إنه ما رأى شريكاً على بطني وإنه لمن الكاذبين ، ثم قالت في الثالثة أشهد بالله إني حبلى منه وإنه لمن الكاذبين ، ثم قالت في الرابعة أشهد بالله إنه ما رآني قط على فاحشة وإنه لمن الكاذبين ، ثم قالت في الخامسة غضب الله على خولة تعني نفسها إن كان من الصادقين . ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقال لولا هذه الأيمان لكان لي في أمرهما رأي ، ثم قال : تحينوا بها الولادة فإن جاءت به أصيهب أثيبج يضرب إلى السواد فهو لعويمر ، وإن جاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين فهو للذي رميت به . قال ابن عباس : فجاءت أشبه خلق الله بشريك " . والكلام في حكم الآية : أن الرجل إذا قذف امرأته فموجبه موجب قذف الأجنبي في وجوب الحد عليه إن كانت محصنة ، أو التعزير إن لم تكن محصنة ، غير أن المخرج منهما مختلف ، فإذا قذف أجنبياً يقام الحد عليه ، إلا أن يقيم أربعة من الشهود على زناه ، أو يقر به المقذوف فيسقط عنه حد القذف ، وفي الزوجة إذا وجد أحد هذين أو لاعن يسقط عنه الحد ، فاللعان في قذف الزوجة بمنزلة البينة ، لأن الرجل إذا رأى مع امرأته رجلاً ربما لا يمكنه إقامة البينة عليه ولا يمكنه الصبر على العار ، فجعل الله اللعان حجة له على صدقه ، فقال تعالى : { فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين } وإذا أقام الزوج البينة على زناها أو اعترفت بالزنا سقط عنه الحد واللعان ، إلا أن يكون هناك ولد يريد نفيه فله أن يلاعن لنفيه . وإذا أراد الإمام أن يلاعن بينهما يبدأ فيقيم الرجل ويلقنه كلمات اللعان ، فيقول : قل أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به فلانة بالزنا ، وإن كان قد رماها برجل بعينه سماه بعينه باللعان ، وإن رماها بجماعة سماهم ، ويقول الزوج كما يلقنه الإمام ، وإن كان ولد أو حمل يريد نفيه يقول : وإن هذا الولد أو الحمل لمن الزنا ما هو مني ، ويقول في الخامسة : علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة ، وإذا أتى بكلمة منها من غير تلقين الحاكم لا تكون محسوبة ، فإذا فرغ الرجل من اللعان وقعت الفرقة بينه وبين زوجته وحرمت عليه على التأييد ، وانتفى عنه النسب وسقط عنه حد القذف ، ووجب على المرأة حد الزنا ، إن كانت محصنة ترجم ، وإن كانت غير محصنة تجلد وتغرب ، فهذه خمسة أحكام تتعلق كلها بلعان الزوج .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (7)

لما نزلت الآية المتقدمة في { الذين يرمون } [ النور : 4 ] تناول ظاهرها الأَزواج وغيرهن ، فقال سعد بن عبادة يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة والله لأضربنه بالسيف غير مصفح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني »{[8608]} ، وفي ألفاظ سعد روايات مختلفة هذا نحو معناها ، ثم جاء بعد ذلك هلال بن أمية الواقفي فرمى زوجته بشريك ابن سحماء البلوي ، فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضربه حد القذف ، فنزلت هذه الآية عند ذلك فجمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، وتلاعنا فتلكأت المرأة عند الخامسة لما وعظت ، وقيل إنها موجبة ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم ولجت ، وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وولدت غلاماً كأنه جمل أورق{[8609]} ثم كان بعد ذلك الغلام أميراً بمصر وهو لا يعرف لنفسه أباً . ثم جاءه أيضاً عويمر العجلاني فرمى امرأته ولاعن{[8610]} . والمشهور أن نازلة هلال قبل وأنها سبب الآية ، وقيل نازلة عويمر قبل وهو الذي وسط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصم بن عدي{[8611]} ، و «الأزواج » في هذا الحكم يعم المسلمات والكافرات والإماء ، فكلهن يلاعنهن الزوج للانتفاء من الحمل ، وتختص الحرة بدفع حد القذف عن نفسه{[8612]} ، وقرأ الجمهور «أربعَ شهادات » بالنصب وهو كانتصاب المصدر والعامل في ذلك قوله { فشهادة } ورفع «الشهادة » على خبر ابتداء تقديره فالحكم أو فالواجب ، أو على الابتداء بتقدير فعليهم أن يشهدوا وبتقدير حذف الخبر وتقديره في آخر الآية كافية أو واجبة ، وقوله { بالله } من صلة { شهادات } ، ويجوز أن يكون من صلة { فشهادة } ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «أربعُ » بالرفع وذلك على خبر قوله { فشهادة } قال أبو حاتم لا وجه للرفع لأن الشهادة ليست ب { أربع شهادات } و { بالله } على هذه القراءة من صلة { شهادات } ، ولا يجوز أن يكون من صلة «شهادة » لأنك كنت تفصل بين الصلة والموصول بالخبر الذي هو { أربع شهادات } ، وقوله : { إنه لمن الكاذبين } في قول من نصب «أربعَ شهادات » يجوز أن تكون من صلة «شهادة » وهي جملة في موضع نصب ، لأن الشهادة أوقعتها موقع المفعول به ، ومن رفع «أربعُ شهادات » فقوله { إنه لمن الكاذبين } من صلة { شهادات } لعلة الفصل المتقدمة في قوله { بالله } ، وقرأ حفص عن عاصم «والخامسةَ » بالنصب في الثانية ، وقرأها بالنصب فيهما طلحة بن مصرف وأبو عبد الرحمن والحسن والأعمش ، وقرأ الجمهور فيهما «والخامسةُ » بالرفع ، فأما من نصب فإن كان من قراءته نصب قوله «أربعَ شهدات » فإنه عطف الخامسة على ذلك لأنها من الشهادات ، وأن كان يقرأ «أربعُ » بالرفع ، فإنه جعل نصب قوله ، والخامسة على فعل يدل عليه متقدم الكلام تقديره وتشهد الخامسة ، وأما من رفع قوله «والخامسةُ » فإن كان يقرأ «أربعُ » بالرفع فقوله «والخامسةُ » عطف على ذلك ، وإن كان يقرأ «أربعَ » بالنصب فإنه حمل قوله «والخامسةُ » على المعنى لأن معنى قوله شهادة أحدهم عليهم أربع شهادات والخامسة واستشهد أبو علي لهذا بحمل الشاعر : [ الكامل ]

ومشجج أما سواد قذاله . . . البيت على قوله : «إلا رواكد جمرهن هباء »{[8613]} لأن المعنى ثم رواكد ولا خلاف في السبع في رفع قوله «والخامسةُ » في الأولى ، وإنما خلاف السبع في الثانية فقط فنصبه حمل على قوله { أن تشهد أربع }

{ والخامسة } على القطع والحمل على المعنى{[8608]} ، وقرأ نافع وحده «أن لعنة »{[8609]} و «أنَّ غضب »{[8610]} ، وقرأ الأعرج والحسن وقتادة وأبو رجاء وعيسى «أَن لعنة »{[8611]} و «أن غضب الله »{[8612]} وهذا على إضمار الأمر وهي المخففة كما هي في قول الشاعر : «في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى ينتعل{[8613]} ، البيت » وقرأ باقي السبعة «أنّ لعنة الله » «وأنّ غضب الله » بتشديد النون فيهما ونصب «اللعنة والغضب » ورجح الأخفش القراءة بتثقيل النون لأن الخفيفة إنما يراد بها التثقيل ويضمر معها الأمر والشأن وما لا يحتاج معه إلى إضمار أولى .

قال الفقيه الإمام القاضي : لا سيما وأن الخفيفة على قراءة نافع في قوله «أن غضب » قد وليها الفعل ، قال أبو علي وأهل العربية يستقبحون أن يليها الفعل إلا أن يفصل بينها وبينه بشيء نحو قوله تعالى { علم أن سيكون }{[7]} [ المزمل : 20 ] وقوله : { أَفلا يرون ألا يرجع }{[8]} [ طه : 89 ] وأما قوله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى }{[9]} [ النجم : 39 ] فذلك لقلة تمكن ليس في الأفعال وأما قوله : { أن بورك من في النار }{[10]} [ النمل : 8 ] ف { بورك } على معنى الدعاء فلم يجز دخول الفاصل لئلا يفسد المعنى{[11]} ، و «العذاب الُمْدَرُأ » في قول جمهور العلماء الحد وحكى الطبري عن آخرين أنه الحبس وهو قول أصحاب الرأي وأَنه لا حد عليها إن لم تلاعن وليس يوجبه عليها قول الزوج .

قال الفقيه الإمام القاضي : وظاهر حديث الوقفة في الخامسة حين تلكأت ثم مرت في لعانها أَنها كانت تحِّد لقول النبي عليه السلام لها فعذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة{[12]} وجعلت «اللعنة » للرجل الكاذب لأنه مفتر مباهت بالقول فأبعد باللعنة وجعل «الغضب » الذي هو أشد على المرأة التي باشرت المعصية بالفعل ثم كذبت وباهتت بالقول فهذا معنى هذه الألفاظ والله أَعلم .

قال الفقيه الإمام القاضي : ولا بد أَن نذكر في تفسير هذه الآية ما يتعلق بها من مسائل اللعان إذ لا يستغنى عنها في معرفة حكمه وحيث يجب ، أجمع مالك وأَصحابه على وجوب اللعان بادعاء رؤية زنى لا وطء من الزوج بعده{[13]} ، وكذلك مشهور المذهب ، وقول مالك إن اللعان يحب بنفي حمل يدعى قبله استبراء ، وحكى اللخمي عن مالك أنه قال مرة : لا ينفى الولد بالاستبراء لأَن الحيض يأتي على الحمل ، وقاله أشهب في كتاب ابن المواز ، وقاله المغيرة ، وقال لا ينفى الولد إلا بخمس سنين{[14]} ، واختلف المذهب في أن يقذف الرجل أو ينفي حملاً ولا يعلل ذلك لا برؤية ولا باستبراء ، فجل رواة مالك لا يوجب لعاناً بل يحد الزوج ، وقاله ابن القاسم وروي عنه أيضاً أنه قال يلاعن ولا يسأل عن شيء{[15]} ، واختلف بعد القول بالاسبتراء في قدر الاستبراء ، فقال مالك والمغيرة في أحد قوليه يجزىء في ذلك حيضة . وقال أيضاً مالك لا ينفعه إلا ثلاث حيض{[16]} ، وأما موضع اللعان ففي المسجد وعند الحاكم والمستحب أن يكون في المسجد بحضرة الحاكم ، وكذلك يستحب [ أن يكون ]{[17]} بعد العصر تغليظاً بالوقت وكل وقت مجز ، ومن قذف امرأته وهي كبيرة لا تحمل تلاعنا هو لدفع الحد وهي لدرء العذاب ، وأن كانت صغيرة لا تحمل لاعن هو لدفع الحد ولم تلاعن هي لأَنها لو أقرت لم يلزمها شيء{[18]} ، وقال ابن الماجشون لا حد على قاذف من لم يبلغ ، قال اللخمي فعلى هذا لا لعان على زوج الصغيرة التي لا تحمل ، والمستحب من ألفاظ اللعان أَن يمشي مع ترتيب القرآن ولفظه فيقول الزوج أشهد بالله لرأيت هذه المرأة تزني{[19]} وإني في ذلك لمن الصادقين ، ثم يقول في الخامسة لعنة الله علي أن كنت من الكاذبين ، وقال أصبغ لا بد أَن يقول كالمرود في المكحلة ، وقيل لا يلزمه ذلك وكذلك يقول أشهب لا بد أن يقول بالله الذي لا إله إلا هو ، وأَما في لعان نفي الحمل فقيل يقول الرجل ما هذا الولد مني ولزنت ، وقال ابن القاسم في الموازنة ، لا يقول وزنت من حيث يمكن أَن تغضب ، وتقول المرأة أشهد بالله ما زنيت وأنه في ذلك لمن الكاذبين ، ثم تقول غضب الله علي إن كان من الصادقين فإِن منع جهلهما من ترتيب هذه الأَلفاظ وأتيا بما في معناها أجزأ ذلك ، وحكى اللخمي عن محمد بن أَبي صفرة أَنه قال اللعان لا يرفع العصمة لقول عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها قال : فأحدث طلاقاً ، ومشهور المذهب أن نفس تمام اللعان بينهما فرقة لا يحتاج معها إلى تفريق حاكم وابن أَبي صفرة هذا ليس بعيد{[20]} يزاحم به الجمهور .

ومذهب الشافعي أن الفرقة حاصلة إثر لعان الزوج وحده ، وقال أبو حنيفة وأصحابه لا تفريق إلا بحكم السلطان بعد لعانهما ، فإن مات أحدهما بعد تمام لعانهما وقبل حكم القاضي ورثه الآخر ، ومذهب المدونة أن اللعان حكم تفريقه حكم الطلاق ويعطى لغير المدخول بها نفس الصداق ، وفي مختصر ابن الجلاب لا شيء لها وهذا على أن تفريق اللعان فسخ ، وقال ابن القصار تفريق اللعان عندنا فسخ وتحريم اللعان أبدي بإجماع فيما أحفظ من مذهب مالك رحمه الله ، ومن فقهاء الكوفة وغيرهم من لا يراه متأبداً ، وإن أكذب نفسه بعد اللعان لم ينتفع بذلك ، وروي عن عبد العزيز بن أَبي سلمة أنه إن أكذب نفسه بعد اللعان كان خاطباً من الخطاب ، وإن تقدمت المرأة في اللعان فقال ابن القاسم لا تعيد ، وقال أشهب تعيد{[21]} .


[7]:- رواه الإمام أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، ونص الترمذي: (والذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها. وإنها السبع من المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيته)، وقد يكون هذا الحديث سندا لما اعتاده الناس من قراءة الفاتحة، وقد أخرج أبو الشيخ في الثواب عن عطاء قال: إذا أردت حاجة فاقرأ فاتحة الكتاب حتى تختمها تقض إن شاء الله، نقله الجلال السيوطي. وللغزالي في الانتصار ما نصه: فاستنزل ما عند ربك وخالقك من خير، واستجلب ما تؤمله من هداية وبر، بقراءة السبع المثاني المأمور بقراءتها في كل صلاة، وتكرارها في كل ركعة، وأخبر الصادق المصدوق أن ليس في التوراة ولا في الإنجيل والفرقان مثلها، قال الشيخ زروق: وفيه تنبيه بل تصريح أن يكثر منها لما فيها من الفوائد والذخائر. انتهى.
[8]:- رواه عبد الله بن حميد في مسنده، والفريابي في تفسيره عن ابن عباس بسند ضعيف.
[9]:- من الناس من يذهب إلى أن هذا من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، ومنهم الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، قال ابن عبد البر: السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام وأسلم. وحديث : (قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) رواه الإمام مالك في الموطأ، والبخاري، والترمذي، وروى الترمذي عن أنس وابن عباس قالا: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن). ومن الناس من يؤول ذلك باعتبار المعاني التي تشتمل عليها، وقد أشار المؤلف رحمه الله إلى هذين القولين، ويشير بذلك إلى أنه لا تفاضل بين كلام الله لأنه صفة ذاتية، وإنما التفاضل في المعاني باعتبار الأجر والثواب. والله أعلم.
[10]:- رواه الإمام أحمد، والحاكم، عن أبي سعيد، وأبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله اصطفى من الكلام أربعا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. فمن قال: سبحان الله كتبت له عشرون حسنة، وحطت عنه عشرون سيئة، ومن قال: الله أكبر مثل ذلك. ومن قال: لا إله إلا الله مثل ذلك، ومن قال: الحمد لله رب العالمين كتبت له ثلاثون حسنة) ومن تمام الحديث كما في الجامع الصغير: (وحط عنه ثلاثون خطيئة).
[11]:- في بعض النسخ (رفْع) بالراء.
[12]:- رواه أصحاب الكتب الستة، وفيه زيادة: (وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)، والحاكم أيضا حديث الترمذي: (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) فجنس الذكر أفضل من جنس الدعاء.
[13]:- أي في غير مقابلة النعمة.
[14]:- أي لأن الدليل الذي استدل به لا يشهد له، كما قال المؤلف بعد: «وهو في الحقيقة دليل على خلاف ما ذهب إليه». إلخ.
[15]:- هو إبراهيم بن أبي عبلة، بن يقظان، بن المرتحل، أبو إسماعيل المقدسي، تابعي، له حروف في القراءات، واختيار خالف فيه العامة، أخذ القراءة عن أم الدرداء الصغرى هجيمة، قال: قرأت القرآن عليه سبع مرات، ويقال: إنه قرأ على الزهري، وروى عنه وعن أبي أمامة، وروى عنه مالك بن أنس، وابن المبارك. توفي سنة 153هـ.
[16]:- جاء في كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ الجزء الثالث صفحة166 ما نصه: وقال الوزيري: وأعلم أنـني سأصير مـيتا *** إذا سار النواعج لا أسير وقال السائلون: من المُسَجَّى؟ *** فقال المخبرون لهم: وزير والمسجى الملتف في أكفانه، والنواعج الإبل السراع، جمع ناعجة، والبيتان في (الجامع لأحكام القرآن)1/118 بلفظ (القائلون)، بدلا من (المخبرون).
[17]:- قال في القاموس: كان غاوي بن عبد العزى سادنا لصنم لبني سليم، فبينما هو عنده إذ أقبل ثعلبان يشتدان حتى تسنماه، فبالا عليه، فقال البيت، ثم قال: يا معشر سليم، لا والله لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، فقال: بل أنت راشد بن عبد ربه. وبان من هذا أن قائل البيت بن عبد العزى، وأن كلمة (الثعلبان) هي تثنية (ثعلب) وفي حياة الحيوان للدميري إثبات أنه ليس بتثنية، وإنما هو ذكر الثعالب فتكون بضم الثاء واللام.
[18]:- الخبت: المطمئن من الأرض فيه رمل،والخبت والعرعر هنا مكانان معينان.
[19]:- بعده: و كنت امرءا لا أمدح الدهر سوقة فلست على خير أتاك بحاسد امتن عليه بمدحه، وجعله خيرا سيق إليه لا يحسده عليه، وهذا مما أخذ عليه والخَبَبُ ضرب من السير.
[20]:- هو الفرزدق – من قصيدة يمدح بها عبد الملك بن مروان، وهو في البيت يذم قوما، ويشبههم ببدوية حمقاء، وضعت سمنها في زق غير صالح ففسد. وسلأت: معناها طبخت، يقال: سلأت السمن واستلأته، وذلك إذا طبخ وعولج. وحقنت معناه: صبت: من حقن اللبن في السقاء يحقنه حقنا: صبه فيه ليخرج زبده "والسلاء بالكسر ممدود": هو السمن.
[21]:- لما بلغ خبر هزيمة حنين إلى مكة سر بذلك قوم، وأظهروا الشماتة، وقال قائل منهم: ترجع العرب إلى دين آبائها. وقال آخر وهو أخ صفوان لأمه: «ألا قد بطل السحر اليوم»، فقال له صفوان وهو يومئذ مشرك: «اسكت، فض الله فاك، والله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوزان». انظر السيرة الحلبية.
[8608]:أخرجه أحمد، وعبد الرازق، والطيالسي، وعبد بن حميد، وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي بعض الروايات ـ على ما ذكره السيوطي في الدر المنثور ـ أن الآية لما نزلت قال سعد بن عبادة: أهكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟ قالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا، وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته، فقال سعد: يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من الله، ولكني تعجبت، إني لو وجدت لكاعا قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهجيه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، فوالله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته. ثم حدثت قصة هلال بن أمية، وقال الأنصار: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الآن. وقد ذكرنا الخبر كاملا في الهامش (1) من صفحة (420) من هذا الجزء.
[8609]:الأورق من كل شيء: ما كان لونه الرماد، ومن الناس: الأسمر، ومن الإبل: ما في لونه بياض إلى سواد.
[8610]:أخرجه عبد الرزاق، وأحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، عن سهل بن سعد، وفي الخبر ـ كما ذكره الإمام السيوطي في الدر المنثور ـ أن عويمر جاء إلى عاصم بن عدي فقال: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل، فلقيه عويمر فقال: ما صنعت؟ فقال: إنك لم تأتني بخير، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل، فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه، فأتاه فوجده قد أنزل عليه، فدعا بهما فلاعن بينهما.
[8611]:نقل القرطبي عن أبي عبد الله بن أبي صفرة، قال: الصحيح أن القاذف لزوجه عويمر، وهلال بن أمية خطأ، ثم نقل عن الطبري أنه استنكر أن يكون و هلال بن أمية، وأنه قال: "وإنما القاذف ويمر ن زيد ن الجد بن العجلاني، شهد أحدا مع النبي صلى الله عليه وسلم، رماها بشريك بن السحماء، والسحماء أمه، قيل لها ذلك لسوادها، وهو ابن عبدة بن الجد بن العجلاني، كذلك كان يقول أهل الأخبار" راجع القرطبي (12 ـ 184).
[8612]:يعني أنه يلاعنها لرفع حد القذف عن نفسه.
[8613]:هذه أجزاء من بيتين استشهد بهما ابن عطية، وعلى عادته اكتفى بموضع الشاهد فقط من كل بيت، والبيتان في كتاب سيبويه، وهما بتمامهما: بادت وغير آيهن مع البلى إلا رواكد مرهن هباء ومشجج أما سواء قذاله فبدا وغير ساره المعزاء وسيبويه يستشهد بهما في مجال العطف على المجرور، فأنت تقول: "هذا ضارب زيد وعمرو" إذا أشركت بين الآخر والأول في الجار لأنه لا مانع من ذلك، وإن شئت نصبت على المعنى وتضمر له ناصبا، تقول: "هذا ضارب زيد وعمرا" كأنه قال: ويضرب عمرا أو ضارب عمرا، وإنما جاز هذا الإضمار عنده لأن معنى الكلام في قولك: "هذا ضارب زيد": هذا ضرب زيدا، فيجوز لك أن تقول: وضرب عمرا، وهذا حمل على المعنى، وقد قال الله تعالى: {ولحم طير مما يشتهون وحور عين}، فالمعنى في الآية: لهم فيها لحم طير، ولهذا رفع [حور] حملا على المعنى، ثم استشهد بالبيتين، وفيهما رفع الشاعر قوله: "ومشجج" مع أنه في أصل الكلام معطوف على "رواكد" في البيت السابق، وحقه النصب، لكنه رفعه حملا على المعنى، كأنه قال: رواكد ومشجج. ومعنى بادت: بليت وذهبت، والآي: جمع آية وهي آثار الديار وعلاماتها، والبلى: تقادم العهد، والرواكد: يريد بها الأثافي وهي الأحجار التي توضع عليها القدر عند طهي الطعام، سميت بذلك لثبوتها وبقائها في مكانها، والراكد هو الثابت الساكن في موقعه، والهباء: الغبار، جعل الجمر كالهباء لقدمه وانسحاقه، والمشجج: الوتد من أوتاد الخباء، وشجه أو تشجيجه هو شقه بالضرب على رأسه لتثبيته، والقذال: جماع مؤخر الرأس من الإنسان والفرس، والمراد به هنا أعلى الوتد، وسواؤه: وسطه، وساره: ساره وجميعه، هي لغة في سائره، قال في اللسان: "وساره: جميعه، يجوز أن يكون من الباب لسعة الباب (س ي ر)، وأن يكون من الواو لأنها عين، وكلاهما قد قيل"، وقال الشنتمري: "حذف عين الفعل لاعتلاله، ونظيره هار بمعنى هائر، وشاك بمعنى شائك". والمعزاء: الأرض الحزنة الغليظة ذات الحجارة، وجمعها الأماعز، وكانوا يتحرون أن ينزلوا في الأراضي الصلبة ليكونوا بمعزل عن السبيل، والمعزاء بفتح الميم، وقد ضبطا بعضهم بالكسر وهو خطأ. هذا والبيت الثاني في اللسان والتاج وأساس البلاغة، وقد ضبطه محقق اللسان "ومشجج" بالكسر، والأحسن ما ذكرناه ها هنا وهو الموافق لرأي سيبويه.