معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَاۖ قَالَ أَخَرَقۡتَهَا لِتُغۡرِقَ أَهۡلَهَا لَقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـًٔا إِمۡرٗا} (71)

قوله تعالى : { فانطلقا } يمشيان على الساحل يطلبان سفينة يركبانها ، فوجدا سفينة فركباها ، فقال أهل السفينة : هؤلاء لصوص ، وأمروهما بالخروج ، فقال صاحب السفينة : ما هم بلصوص ، ولكني أرى وجوه الأنبياء . وروينا عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم : " مرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر ، فحملوهم بغير نول ، فلما لججوا البحر أخذ الخضر فأساً فخرق لوحاً من السفينة " . { حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال } له موسى { أخرقتها لتغرق أهلها } ، قرأ حمزة والكسائي : ليغرق بالياء وفتحها وفتح الراء ، أهلها بالرفع على اللزوم ، وقرأ الآخرون : بالتاء ورفعها وكسر الراء أهلها بالنصب على أن الفعل للخضر . { لقد جئت شيئاً إمراً } أي : منكراً ، والإمر في كلام العرب الداهية ، وأصله : كل شيء شديد كثير ، يقال : أمر القوم : إذا كثروا ، واشتد أمرهم . وقال القتيبي : إمراً أي : عجباً . وروي أن الخضر لما خرق السفينة لم يدخلها الماء . وروي أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فحشى به الخرق . وروي أن الخضر أخذ قدحاً من الزجاج ورقع به خرق السفينة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَاۖ قَالَ أَخَرَقۡتَهَا لِتُغۡرِقَ أَهۡلَهَا لَقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـًٔا إِمۡرٗا} (71)

{ فانطلقا } على الساحل يطلبان السفينة ، { حتى إذا ركبا في السفينة خرقها } أخذ الخضر فأسا فخرق السفينة بأن قلع لوحين من ألواحها . { قال أخرقتنا لتُغرق أهلها } فإن خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضي إلى غرق أهلها . وقرئ " لتُغَرِّق " بالتشديد للتكثير . وقرأ حمزة والكسائي " ليغرق أهلها " على إسناده إلى الأهل . { لقد جئت شيئا إمرا } أتيت أمرا عظيما من أمر الأمر إذا عظم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَاۖ قَالَ أَخَرَقۡتَهَا لِتُغۡرِقَ أَهۡلَهَا لَقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـًٔا إِمۡرٗا} (71)

وقوله { فانطلقا } روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهما انطلقا ماشيين على سيف البحر حتى مرت بهما سفينة ، فعرف الخضر فحملا بغير قول إلى مقصد أمه الخضر ، وعرفت { السفينة } بالألف واللام تعريف الجنس لا لعهد عينها ، فلما ركبا عمد الخضر إلى وتد فجعل يضرب في جنب السفينة حتى قلع به ، فيما روي لوحين من ألواحها فذلك هو معنى { خرقها } فلما رأى ذلك موسى غلبه ظاهر الأمر على الكلام حين رأى فعلاً يؤدي إلى غرفة جميع من في السفينة ، فوقفه بقوله { أخرقتها } وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم «لتغرق أهلها » بالتاء وقرأ أبو رجاء «لتغَرِّق » بشد الراء وفتح الغين ، وقرأ حمزة والكسائي «ليغرق أهلُها » برفع الأهل ، وإسناد الفعل إليهم و «الإمر » الشنيع من الأمور كالداهية والإد ونحوه ، ومنه أمر إمْر ابن أبي كبشة{[1]} ومنه أمر القوم إذا كثروا ، وقال مجاهد «الإمر » المنكر .

قال القاضي أبو محمد : والامر أخص من المنكر .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَاۖ قَالَ أَخَرَقۡتَهَا لِتُغۡرِقَ أَهۡلَهَا لَقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـًٔا إِمۡرٗا} (71)

أي فعقِب تلك المحاورة أنهما انطلقا . والانطلاق : الذهاب والمشي ، مشتق من الإطلاق وهو ضد التقييد ، لأن الدابة إذا حُلّ عقالها مشت . فأصله مطاوع أطلقه .

و ( حتى ) غاية للانطلاق . أي إلى أن ركبا في السفينة .

و ( حتى ) ابتدائية ، وفي الكلام إيجاز دل عليه قوله : { إذا ركبا في السفينة } . أصل الكلام : حتى استأجرا سفينة فركباها فلما ركبا في السفينة خرقها .

وتعريف { السفينة } تعريف العهد الذهني ، مثل التعريف في قوله تعالى : { وأخاف أن يأكله الذئب } [ يوسف : 13 ] .

وإذا } ظرف للزمان الماضي هنا ، وليست متضمنة معنى الشرط . وهذا التوقيت يؤذن بأخذه في خرق السفينة حين ركوبهما . وفي ذلك ما يشير إلى أن الركوب فيها كان لأجل خرقها لأن الشيء المقصود يبادِر به قاصده لأنه يكون قد دبره وارتآه من قبل .

وبني نظم الكلام على تقديم الظرف على عامله للدلالة على أن الخرق وقع بمجرد الركوب في السفينة ، لأن في تقديم الظرف اهتماماً به ، فيدل على أن وقت الركوب مقصود لإيقاع الفعل فيه .

وضمن الركوب معنى الدخول لأنه ركوب مجازي ، فلذلك عدي بحرف ( في ) الظرفية نظير قوله تعالى : { وقال اركبوا فيها } [ هود : 41 ] دون نحو قوله : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها } [ النحل : 8 ] . وقد تقدم ذلك في سورة هود .

والخرق : الثقب والشق ، وهو ضد الالتئام .

والاستفهام في { أخرقتها } للإنكار . ومحل الإنكار هو العلة بقوله : { لتغرق أهلها } ، لأن العلة ملازمة للفعل المستفهم عنه . ولذلك توجه أن يغير موسى عليه السلام هذا المنكَر في ظاهر الأمر ، وتأكيد إنكاره بقوله : { لقد جئت شيئاً إمراً } .

والإمر بكسر الهمزة : هو العظيم المفظع . يقال : أَمِر كفرح إِمراً ، إذا كثر في نوعه . ولذلك فسره الراغب بالمنكر ، لأن المقام دال على شيء ضارّ . ومقام الأنبياء في تغيير المنكر مقام شدة وصراحة . ولم يجعله نكراً كما في الآية بعدها لأن العلم الذي عمله الخضر ذريعة للغرق ولم يقع الغرق بالفعل .

وقرأ الجمهور { لتغرق } بمثناة فوقية مضمومة على الخطاب . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف { ليَغرق } بتحتية مفتوحة ورفع { أهلها } على إسناد فعل الغرق للأهل .