اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَاۖ قَالَ أَخَرَقۡتَهَا لِتُغۡرِقَ أَهۡلَهَا لَقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـًٔا إِمۡرٗا} (71)

قوله : { فانطلقا حتى إِذَا رَكِبَا فِي السفينة خَرَقَهَا } الآية .

اعلم أنَّ موسى - عليه السلام - وذلك العالم ، لمَّا تشارطا على الشرط المذكور ، سار فانتهيا إلى موضع ، احتاجا فيه إلى ركوب السَّفينة ، فوجدا سفينة ، فكلموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر ، [ فحملوهم ]{[21217]} من غير نول ، فلما لجُّوا البحر ، أقدم ذلك العالم على خرق السَّفينة .

قال ابن الخطيب{[21218]} : لعلَّه أقدم على إخراق مكانٍ في السفينة ؛ لتصير السفينة بذلك السبب معيبة ظاهرة العيب ، فلا يتسارع به إلى أهلها الغرق فعند ذلك قال له موسى : { أخَرقْتهَا لتُغْرِقَ أهْلهَا } [ لمَّا رأى موسى - عليه السلام - ذلك الأمر المنكر بحسبِ الظَّاهر نسيَ الشرط المتقدم ؛ فلهذا قال ما قال ]{[21219]} .

وفي اللام وجهان :

أحدهما : هي لام العلة .

والثاني : هي لام الصَّيرورة ، وقرأ الأخوان{[21220]} : " ليَغرَقَ " بفتح الياء من تحت ، وسكون الغين ، وفتح الراء ، " أهْلُهَا " بالرفع فاعلاً ، والباقون بضمِّ التاء من فوق ، وكسر الراء ، أي : لتغرق أنت أهلها ، بالنصب مفعولاً به ، والحسن وأبو رجاء كذلك ، إلا أنَّهما شدَّدا الراء .

والسَّفينة معروفة ، وتجمع على سفنٍ وسفائن ، نحو : صحيفة وصحف وصحائف ، وتحذف منها التاء مراداً بها الجمع ، فتكون اسم جنسٍ ؛ نحو : ثمر [ وقمح ]{[21221]} ، إلا أنه هذا في المصنوع قليلٌ جدًّا ، نحو : جَرَّة وجر ، وعمامة وعمام ، قال الشاعر : [ الوافر ]

مَتَى تَأتيهِ تَأتِي لُجَّ بَحْرٍ *** تَقاذفُ في غَوارِبهِ السَّفِينُ{[21222]}

واشتقاقها من السَّفن ، وهو القشر ؛ لأنَّها تقشر الماء ، كما سميت " بِنْتَ مخرٍ " لأنها تمخرُ الماء ، أي : تشقُّه .

قوله : " إمْراً " أي شيئاً عظيماً ، يقال : أمِرَ الأمْرُ ، أي : عظم وتفاقم ، قال : [ الرجز ]

دَاهِيَةً دَهْيَاءَ إدًّا إمْرا{[21223]} *** والإمرُ في كلام العرب : الدَّاهيةُ ، وأصله كل شيءٍ شديدٌ كثيرٌ ، يقال : أمر القوم : إذا كثروا ، واشتدَّ أمرهم .

ومعنى الآية : لقد جئت شيئاً منكراً .

وقال القتيبيُّ : " إمْراً " أي عظيماً عجيباً منكراً .

روي أنَّ الخضر ، لمَّا [ خرق ]{[21224]} السَّفينة لم يدخلها الماءِ{[21225]} .

وروي أن موسى لمَّا رأى ذلكَ أخذ ثوبه ، وحشا به الخرق{[21226]}


[21217]:في أ: فأخذوهم.
[21218]:ينظر: الفخر الرازي 21/131.
[21219]:سقط من أ.
[21220]:ينظر: السبعة 395، والتيسير 144، والحجة 423، والإتحاف 2/221، والحجة للقراء السبعة 5/158، وإعراب القراءات 1/403، 404، والنشر 313، والشواذ 81، والقرطبي 11/15، والبحر 6/141.
[21221]:في أ: وبلح.
[21222]:ينظر البيت في البحر 6/134، الدر المصون 4/473.
[21223]:ينظر البيت في الطبري 15/169، والصحاح (أمر)، واللسان (أمر)، والتاج (أمر)، والقرطبي 11/19.
[21224]:في أ:دخل.
[21225]:ينظر:معالم التنزيل 3/174.
[21226]:ينظر: المصدر السابق.