قوله تعالى : { وأنه أهلك عاداً الأولى } قرأ أهل المدينة والبصرة بلام مشددة بعد الدال ، ويهمز واوه قالون عن نافع ، والعرب تفعل ذلك فتقول : قم لان عنا ، تريد : قم الآن ، ويكون الوقف عندهم عاداً ، والابتداء ألولى ، بهمزة واحدة مفتوحة بعدها لام مضمونة ، ويجوز الابتداء : لولى بحذف الهمزة المفتوحة . وقرأ الآخرون : عاداً الأولى ، وهم قوم هود أهلكوا بريح صرصر ، فكان لهم عقب ، فكانوا عاداً الأخرى .
{ وأنه أهلك عادا الأولى } القدماء لأنهم أولى الأمم هلاكا بعد قوم نوح عليه الصلاة والسلام . وقيل { عادا الأولى } قوم هود وعاد الأخرى إرم . وقرئ " عادا لولي " بحذف الهمزة ونقل ضمها إلى لام التعريف وقرأ نافع وأبو عمرو " عادا لولي " بضم اللام بحركة الهمزة وبإدغام التنوين ، وقالون بعد ضمة اللام بهمزة ساكنة في موضع الواو .
وعاد : هم قوم هود ، واختلف في معنى وصفها ب { الأولى } ، فقال ابن زيد والجمهور : ذلك لأنها في وجه الدهر وقديمه ، فهي أولى بالإضافة إلى الأمم المتأخرة ، وقال الطبري : سميت أولى ، لأن ثم عاداً أخيرة وهي قبيلة كانت بمكة مع العماليق وهم بنو لقيم بن هزال .
قال القاضي أبو محمد : والقول الأول أبين ، لأن هذا الأخير لم يصح . وقال المبرد عاداً الأخيرة هي ثمود ، والدليل قول زهير : [ الطويل ]
*** . كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم{[10734]}
ذكره الزهراوي ، وقيل الأخيرة : الجبارون .
وقرأ ابن كثير وعاصم ، وابن عامر وحمزة ، والكسائي «عاد الأولى » منونة وبهمز . وقرأ نافع فيما روي عنه : «عادا الأولى » بإزالة التنوين والهمز . وهذا كقراءة من قرأ «أحد الله »{[10735]} وكقول الشاعر [ أبو الأسود الدؤلي ] : [ المتقارب ]
****** . ولا ذاكر الله إلا قليلا{[10736]}
وقرأ قوم : { عاداً الأولى } والنطق بها «عادن الأولى » . واجتمع سكون نون التنوين وسكون لام التعريف فكسرت النون للالتقاء ، ولا فرق بينهما وبين قراءة الجمهور ولا ترك الهمز . وقرأ نافع أيضاً وأبو عمرو بالوصل والإدغام «عاد الولى » بإدغام النون في اللام ونقل حركة الهمزة إلى اللام . وعاب أبو عثمان المازني والمبرد هذه القراءة ، وقال : إن هذا النقل لا يخرج اللام عن حد السكون وحذف ألف الوصل أن تبقى كما تقول العرب إذا نقلت الهمزة من قولهم الأحمر فإنهم يقولون الحمر جاء فكذلك يقال هاهنا «عاداً الولى » ، قال أبو علي : والقراءة سائغة ، وأيضاً فمن العرب من يقول : لحمر جاء فيحذف الألف مع النقل ويعتد بحركة اللام ولا يراها في حكم السكون ، وقرأ نافع فيما روي عنه «عاداً الأولى » بهمز الواو ، ووجه ذلك أنه لما لم يكن بين الواو والضمة حائل تخيل الضمة عليها فهمزها كما تهمز الواو المضمومة ، وكذلك فعل من قرأ : «على سؤقه »{[10737]} ، وكما قال الشاعر [ جرير ] : [ الوافر ]
لحَبّ المؤقدان إلي مؤسى***{[10738]} وهي لغة
لما استُوفي ما يستحقه مقام النداء على باطل أهل الشرك من تكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم وطعنهم في القرآن ، ومن عبادة الأصنام ، وقولهم في الملائكة ، وفاسد معتقدهم في أمور الآخرة ، وفي المتصرف في الدنيا ، وكان معظم شأنهم في هذه الضلالات شبيهاً بشأن أمم الشرك البائدة نقل الكلام إلى تهديدهم بخوف أن يحل بهم ما حل بتلك الأمم البائدة فذكر من تلك الأمم أشهرها عند العرب وهم : عاد ، وثمود ، وقوم نوح ، وقوم لوط .
فموقع هذه الجملة كموقع الجمل التي قبلها في احتمال كونها زائدة على ما في صحف موسى وإبراهيم ويحتمل كونُها مما شملته الصحف المذكورة فإن إبراهيم كان بعد عاد وثمود وقوم نوح ، وكان معاصراً للمؤتفكة عالماً بهلاكها .
ولكون هلاك هؤلاء معلوماً لم تقرن الجملة بضمير الفصل .
ووصف عاد ب { الأولى } على اعتبار عاد اسماً للقبيلة كما هو ظاهر . ومعنى كونها أولى لأنها أول العرب ذكراً وهم أول العرب البائدة وهم أول أمة أهلكت بعد قوم نوح .
وأما القول بأن عاداً هذه لما هلكت خلفتها أمة أخرى تُعرف بعاد إرم أو عاد الثانية كانت في زمن العماليق فليس بصحيح .
ويجوز أن يكون { الأولى } وصفاً كاشفاً ، أي عاداً السابقة . وقيل { الأولى } صفة عظمة ، أي الأولى في مراتب الأمم قوة وسعة ، وتقدم التعريف بعاد في سورة الأعراف .
وتقدم ذكر ثمود في سورة الأعراف أيضاً .
وتقدم ذكر نوح وقومه في سورة آل عمران وفي سورة الأعراف .
وإنما قدم في الآية ذكر عاد وثمود على ذكر قوم نوح مع أن هؤلاء أسبق لأن عاداً وثموداً أشهر في العرب وأكثر ذكراً بينهم وديارهم في بلاد العرب .
وقرأ الجمهور { عاداً الأولى } بإظهار تنوين { عاداً } وتحقيق همزة { الأولى } . وقرأ ورش عن نافع وأبو عمرو { عاد لُولى } بحذف همزة { الأولى } بعد نقل حركتها إلى اللام المعرِّفة وإدغام نون التنوين من { عاداً } في لاَم { لُولى } . وقرأه قالون عن نافع بإسكان همزة { الأولى } بعد نقل حركتها إلى اللام المعرِفة { عاد لُؤْلى } على لغة من يبدل الواو الناشئة عن إشباع الضمة همزاً ، كما قرىء { فاستوى على سؤقه } [ الفتح : 29 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.