معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِذۡ أَبَقَ إِلَى ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ} (140)

قوله تعالى : { إذ أبق إلى الفلك المشحون } يعني : هرب . قال ابن عباس رضي الله عنهما ، ووهب : كان يونس وعد قومه العذاب ، فلما تأخر عنهم العذاب خرج كالمستور منهم ، فقصد البحر فركب السفينة ، فاحتبست السفينة فقال الملاحون : هاهنا عبد آبق من سيده ، فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس ، فاقترعوا ثلاثاً فوقعت على يونس ، فقال يونس : أنا الآبق ، وزج نفسه في الماء . وروي في القصة : أنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له ، فجاء مركب فأراد أن يركب معهم فقدم امرأته ليركب بعدها ، فحال الموج بينه وبين المركب ، ثم جاءت موجة أخرى وأخذت ابنه الأكبر وجاء ذئب فأخذ البن الأصغر ، فبقي فريداً ، فجاء مركب آخر فركبه فقعد ناحية من القوم ، فلما مرت السفينة في البحر ركدت ، فاقترعوا ، وقد ذكرنا القصة في سورة يونس .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِذۡ أَبَقَ إِلَى ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ} (140)

ولما كان من أعظم المقاصد التسلية على استكبارهم عن كلمة التوحيد وقولهم : إنه شاعر مجنون ، ذكر من أمر يونس عيله السلام ما يعرف منه صعوبة أمر الرسالة وشدة خطبها وثقل أمرها وشدة عنايته سبحانه بالرسل عليهم السلام وأنه ما اختارهم إلا عن علم فهو لا يقولهم وإن اجتهدوا في دفع الرسالة ليزدادوا ثباتاً لأعبائها وقوة في القيام بشأنها فقال : { إذ أبق } أي هرب حين أرسل من سيده الذي تشرفه الله بالرسالة ضعفاً عن حملها لأن الاباق الهرب من السيد إلى حيث يظن أنه يخفى عليه { إلى الفلك } أي البيت الذي يسافر فيه على ظهر البحر .

ولما كان فعله على صورة فعل المشاحن وكان قصده الإيغال في البعد والإسراع في النقلة قال : { المشحون * } أي الموقر ملأ ، فلا سعة فيه لشيء آخر يكون فيه ، فليس لأهله حاجة في الإقامة لحظة واحدة لانتظار شيء من الأشياء فحين وضع رجله فيه ساروا ، فاضطرب عليهم الأمر وعظم الزلزال حتى أشرف مركبهم على الغرق على هيئة عرفوا بها أن ذلك لعبد أبق من سيده ، فإن عند أهل البحر أن السفينة لا يستقيم سيرها وفيها آبق - نقله الكرماني وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما ، فسبب لهم ذلك المساهمة أي المقارعة كما هو رسمهم في مثل ذلك الأمر فاستهموا فساهم ، أي قارع يونس عليه السلام معهم ؛ قال البغوي : والمساهمة إلقاء السهام على جهة القرعة .