تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{إِذۡ أَبَقَ إِلَى ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ} (140)

{ إذ أبق إلى الفلك المشحون } آية الموقر من الناس والدواب ، فساهم وذلك أنه دخل السفينة ، فلف رأسه ونام في جانبها ، فوكل الله عز وجل به الحوت ، واسمها اللخم ، فاحتبست سفينتهم ولم تجر ، فخاف القوم الغرق ، فقال بعضهم لبعض : إن فينا لعبدا مذنبا ، قالوا له وهو ناحيتها : يا عبد الله من أنت ؟ ألا ترى أنا قد غرقنا ؟ قال : أنا المطلوب أنا يونس بن متى ، فاقذفوني في البحر . قالوا : نعوذ بالله أن نقذفك يا رسول الله ، فقارعهم ثلاث مرات كل ذلك يقرعونه ، فقالوا : لا ، ولكن نكتب أسماءنا ، ثم نقذف بها في الماء ، ففعل ذلك ، فقالوا : اللهم إن كان هذا طلبتك ، فغرق اسمه ، وخرج أسماءنا ، فغرق اسمه وارتفعت أسماؤهم ، ثم قالوا الثانية : اللهم إن كنت إياه تطلب فغرق أسماءنا وارفع اسمه ، فغرقت أسماؤهم ، وارتفع اسمه ، ثم قالوا الثالثة : اللهم إن كنت إياه تطلب فغرق اسمه ، وارفع أسماءنا ، فغرق اسمه وارتفعت أسماؤهم ، فلما رأوا ذلك ثلاث مرات أخذوا بيده ليقذفوه في الماء .

ولم يكن أوحى الله إلى الحوت ماذا الذي يريد به ؟ فلما قذف أوحى إلى الحوت ، وليس بينه وبين الماء إلا شبران ، لي في عبدي حاجة إني لم أجعل عبدي لك رزقا ، ولكن جعلت بطنك له مسجدا ، فلا تحسري له شعرا وبشرا ، ولا تردي عليه طعاما ولا شرابا ، قال : فقال له الماء والريح : أين أردت أن تهرب ؟ من الذي يعبد في السماء والأرض ، فوالله إنا لنعبده ، وإنا لنخشى أن يعاقبنا ، وجعل يونس يذكر الله عز وجل ، ويذكر كل شيء صنع ولا يدعوه فألهمه الله جل وعز عند الوقت ، فدعاه ففلق دعاءه البحر والسحاب ، فنادى بالتوحيد ، ثم نزه الرب عز وجل ، أنه ليس أهل لأن يعصي ، ثم اعترف ، فقال :{ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } [ الأنبياء :78 ] .