نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِذۡ أَبَقَ إِلَى ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ} (140)

ولما كان من أعظم المقاصد التسلية على استكبارهم عن كلمة التوحيد وقولهم : إنه شاعر مجنون ، ذكر من أمر يونس عيله السلام ما يعرف منه صعوبة أمر الرسالة وشدة خطبها وثقل أمرها وشدة عنايته سبحانه بالرسل عليهم السلام وأنه ما اختارهم إلا عن علم فهو لا يقولهم وإن اجتهدوا في دفع الرسالة ليزدادوا ثباتاً لأعبائها وقوة في القيام بشأنها فقال : { إذ أبق } أي هرب حين أرسل من سيده الذي تشرفه الله بالرسالة ضعفاً عن حملها لأن الاباق الهرب من السيد إلى حيث يظن أنه يخفى عليه { إلى الفلك } أي البيت الذي يسافر فيه على ظهر البحر .

ولما كان فعله على صورة فعل المشاحن وكان قصده الإيغال في البعد والإسراع في النقلة قال : { المشحون * } أي الموقر ملأ ، فلا سعة فيه لشيء آخر يكون فيه ، فليس لأهله حاجة في الإقامة لحظة واحدة لانتظار شيء من الأشياء فحين وضع رجله فيه ساروا ، فاضطرب عليهم الأمر وعظم الزلزال حتى أشرف مركبهم على الغرق على هيئة عرفوا بها أن ذلك لعبد أبق من سيده ، فإن عند أهل البحر أن السفينة لا يستقيم سيرها وفيها آبق - نقله الكرماني وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما ، فسبب لهم ذلك المساهمة أي المقارعة كما هو رسمهم في مثل ذلك الأمر فاستهموا فساهم ، أي قارع يونس عليه السلام معهم ؛ قال البغوي : والمساهمة إلقاء السهام على جهة القرعة .