تفسير ابن أبي زمنين - ابن أبي زمنين  
{إِذۡ أَبَقَ إِلَى ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ} (140)

{ إذ أبق } أي : فر من قومه { إلى الفلك المشحون( 140 ) } يعني : الموقر .

قال يحيى : بلغنا -والله أعلم- أن يونس دعا قومه إلى الله ، فلما طال ذلك عليه وأبوا أوحى الله إليه أن العذاب يأتيهم يوم كذا وكذا ، فلما دنا الوقت تنحى عنهم ، فلما كان قبل الوقت بيوم جاء فجعل يطوف بالمدينة وهو يبكي ويقول : غدا يأتيكم العذاب ! فسمعه رجل منهم ، فانطلق إلى الملك فأخبره أنه سمع يونس يبكي . ويقول : يأتيكم العذاب غدا ، فلما سمع ذلك الملك دعا قومه ، فأخبرهم بذلك ، وقال : إن كان هذا حقا فسيأتيكم العذاب غدا ، فاجتمعوا حتى ننظر في أمرنا ، فاجتمعوا فخرجوا من المدينة من الغد ، فنظروا فإذا بظلمة وريح شديدة قد أقبلت نحوهم ، فعلموا أنه الحق ، ففرقوا بين الصبيان وأمهاتهم وبين البهائم وبين أمهاتها ، ولبسوا الشعر وجعلوا الرماد والتراب على رءوسهم تواضعا لله وتضرعوا إليه وبكوا وآمنوا ، فصرف الله عنهم العذاب ، واشترط بعضهم على بعض ألا يكذب أحدهم كذبة إلا قطعوا لسانه ، فجاء يونس من الغد فنظر فإذا المدينة على حالها ، وإذا الناس داخلون وخارجون ؛ فقال : أمرني ربي أن أخبر قومي أن العذاب يأتيهم غدا فلم يأتهم ، فكيف ألقاهم ؟ ! فانطلق حتى أتى ساحل البحر ؛ فإذا بسفينة في البحر ؛ فأشار إليهم فأتوه فحملوه ولا يعرفونه ، فانطلق إلى ناحية من السفينة فتقنع ورقد ، فما مضوا إلا قليلا حتى جاءتهم ريح كادت السفينة تغرق ، فاجتمع أهل السفينة ودعوا الله ثم قالوا : أيقظوا الرجل يدعو معنا ! ففعلوا فدفع الله عنهم تلك الريح ، ثم انطلق إلى مكانه فرقد ، فجاءت ريح كادت السفينة تغرق ، فأيقظوه ودعوا الله فارتفعت الريح ، فتفكر العبد الصالح فقال : هذا من خطيئتي ! أو كما قال ، فقال لأهل السفينة شدوني وثاقا وألقوني في البحر ، فقالوا : ما كنا لنفعل وحالك حالك ، ولكنا نقترع فمن أصابته القرعة ألقيناه في البحر ، فاقترعوا فأصابته القرعة ، فقال : قد أخبرتكم . فقالوا : ما كنا لنفعل ولكن اقترعوا ، فاقترعوا الثانية فأصابته القرعة ، ثم اقترعوا الثالثة ؛ فأصابته القرعة .