معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ} (14)

{ علمت } عند ذلك { نفس ما أحضرت } من خير أو شر ، وهذا جواب لقوله : { إذا الشمس كورت } وما بعدها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ} (14)

وقوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ } هذا هو الجواب ، أي : إذا وقعت هذه الأمور حينئذ تعلم كل نفس ما عملت وأحضر ذلك لها ، كما قال تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } [ آل عمران : 30 ] . وقال تعالى : { يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ القيامة : 13 ] .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبدة ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا محمد بن مُطَرّف ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : لما نزلت : { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } قال عمر : لما بلغ { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ } قال : لهذا أجرىَ الحديثُ .

روى مسلم في صحيحه ، والنسائي في تفسيره عند هذه الآية ، من حديث مِسْعر بن كِدَام ، عن الوليد بن سَرِيع ، عن عمرو بن حُرَيث قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم الصبح ، فسمعته يقرأ : { فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِي الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } {[29782]} .

ورواه النسائي عن بندار ، عن غُنْدَر ، عن شعبة ، عن الحجاج بن عاصم ، عن أبي الأسود ، عن عمرو بن حُرَيث ، به نحوه{[29783]} .


[29782]:- (1) صحيح مسلم برقم (456)، وسنن النسائي الكبرى برقم (11651).
[29783]:- (2) سنن النسائي الكبرى برقم (11650).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ} (14)

وجملة : { علمت نفس ما أحضرت } يتنازع التعلق به كلمات { إذا } المتكررة .

وعن عمر بن الخطاب : « أنه قرأ أول هذه السورة فلما بلغ { علمت نفس ما أحضرت } قال : لهذا أجريت القصة » أي هو جواب القسم ومعنى { علمت } أنها تعلم بما أحضرت فتعلمه .

وقوله { نفس } نكرة في سياق الشرط مُراد بها العموم ، أي علمت كل نفس ما أحضرتْ ، واستفادة العموم من النكرة في سياق الإثبات تحصل من القرينة الدالة على عدم القصد إلى واحد من الجنس ، والقرينة هنا وقوع لفظ نفس في جواب هذه الشروط التي لا يخطر بالبال أن تكون شروطاً لشخص واحد ، وقد قال تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء } [ آل عمران : 30 ] .

والإحضار : جعل الشيء حاضراً .

ومعنى : { علمتْ نفس ما أحضرت } حصول اليقين بما لم يكن لها به علم من حقائق الأعمال التي كان علمها بها أشتاتاً : بَعْضه معلوم على غير وجهه ، وبعضه معلوم صورتُه مجهولةٌ عواقبه ، وبعضه مغفول عنه . فنزّل العلم الذي كان حاصلاً للناس في الحياة الدنيا منزلة عدم العلم ، وأثبت العلم لهم في ذلك اليوم علم أعمالهم من خير أو شر فيعلَم ما لم يكن له به علم مما يحقره من أعماله ويتذكر ما كان قد علمه من قبل ، وتذكُّر المنسي والمغفول عنه نوع من العلم .

وما أحضرته هو ما أسلفته من الأعمال . ولما كانت الأعمال تظهر آثارها من ثواب وعقاب يومئذ عبر عن ظهور آثارها بالإحضار لشببه به كما يحضر الزاد للمسافر ففي فعل : { أحضرت } استعارة . ويطلق على ذلك الإعداد كقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي سأله متى الساعة : " ماذا أعددت لها " .

وأسند الإحضار إلى النفوس لأنها الفاعلة للأعمال التي يظهر جزاؤها يومئذ فهذا الإسناد من إسناد فعل الشيء إلى سَبب فعله ، فحصل هنا مجازان : مجاز لغوي ، ومجاز عقلي ، وحقيقتهما في قوله تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء } .

وجعلت معرفة النفوس لجزاء أعمالها حاصلة عند حصول مجموع الشروط التي ذكرت في الجمل الثنتي عشرة لأن بعض الأحوال التي تضمنتها الشروط مقارن لحصول علم النفوس بأعمالها وهي الأحوال الستة المذكورة أخيراً ، وبعض الأحوال حاصل من قبل بقليل وهي الأحوال الستة المذكورة أولاً . فنزل القريب منزلة المقارن ، فلذلك جعل الجميع شروطاً ل { إذا } .