الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ} (14)

و { علمت } هو عامل النصب في { إِذَا الشمس كُوّرَتْ } وفيما عطف عليه .

فإن قلت : كل نفس تعلم ما أحضرت ، كقوله : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا } [ آل عمران : 30 ] لا نفس واحدة فما معنى قوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ } ؟ قلت : هو من عكس كلامهم الذي يقصدون به الإفراط فيما يعكس عنه . ومنه قوله عز وجل : { رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } [ الحجر : 2 ] ومعناه : معنى كم وأبلغ منه . وقول القائل :

قَدْ أَتْرُكُ الْقِرْنَ مُصْفَرَّا أَنَامِلُهُ ***

وتقول لبعض قوّاد العساكر : كم عندك من الفرسان ؟ فيقول : رب فارس عندي . أو لا تعدم عندي فارساً ، وعنده المقانب : وقصده بذلك التمادي في تكثير فرسانه . ولكنه أراد إظهار براءته من التزيد ، وأنه ممن يقلل كثير ما عنده ، فضلا أن يتزيد ، فجاء بلفظ التقليل ، ففهم منه معنى الكثرة على الصحة واليقين وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنّ قارئاً قرأها عنده ، فلما بلغ { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ ( 14 ) } قال : وانقطاع ظهرياه .