مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ} (14)

ولما ذكر الله تعالى هذه الأمور الاثني عشر ذكر الجزاء المرتب على الشروط الذي هو مجموع هذه الأشياء فقال : { علمت نفس ما أحضرت } . ومن المعلوم أن العمل لا يمكن إحضاره ، فالمراد إذن ما أحضرته في صحائفها ، وما أحضرته عند المحاسبة ، وعند الميزان من آثار تلك الأعمال ، والمراد : ما أحضرت من استحقاق الجنة والنار ( فإن قيل ) كل نفس تعلم ما أحضرت ، لقوله : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا } فما معنى قوله : { علمت نفس } ؟ قلنا : ( الجواب ) : من وجهين ( الأول ) : أن هذا هو من عكس كلامهم الذي يقصدون به الإفراط ، وإن كان اللفظ موضوعا للقليل ، ومنه قوله تعالى : { ربما يود الذين كفروا } كمن يسأل فاضلا مسألة ظاهرة ويقول : هل عندك فيها شيء ؟ فيقول : ربما حضر شيء وغرضه الإشارة إلى أن عنده في تلك المسألة ما لا يقول به غيره . فكذا ههنا ( الثاني ) : لعل الكفار كانوا يتعبون أنفسهم في الأشياء التي يعتقدونها طاعات ثم بدا لهم يوم القيامة خلاف ذلك فهو المراد من هذه الآية .