معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ} (14)

{ إن ربك لبالمرصاد } قال ابن عباس : يعني بحيث يرى ويسمع ويبصر ما تقول وتفعل وتهجس به العباد . قال الكلبي : عليه طريق العباد لا يفوته أحد . قال مقاتل : ممر الناس عليه ، والمرصاد ، والمرصد : الطريق . وقيل : مرجع الخلق إلى حكمه وأمره وإليه مصيرهم . وقال الحسن وعكرمة : يرصد أعمال بني آدم . والمعنى : أنه لا يفوته شيء من أعمال العباد ، كما لا يفوت من هو بالمرصاد . وقال السدي : أرصد الله النار على طريقهم حتى يهلكهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ} (14)

وقوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } قال ابن عباس : يسمع ويرى . يعني : يرصد{[30051]} خلقه فيما يعملون ، ويجازي كلا بسعيه في الدنيا والآخرة ، وسيعرض الخلائق كلهم عليه ، فيحكم فيهم بعدله ، ويقابل كلا بما يستحقه . وهو المنزه عن الظلم والجور .

وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثًا غريبًا جدًا - وفي إسناده نظر وفي صحته - فقال : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا يونس الحذاء ، عن أبي حمزة البيساني ، عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ ، إن المؤمن لدى الحق أسير . يا معاذ ، إن المؤمن لا يسكن روعه ولا يأمن اضطرابه حتى يُخَلَّف جسر جهنم خلف ظهره . يا معاذ ، إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من شهواته ، وعن أن يهلك فيها هو بإذن الله ، عز وجل ، فالقرآن دليله ، والخوف محجته ، والشوق مطيته ، والصلاة كهفه ، والصوم جنته ، والصدقة فكاكه ، والصدق أميره ، والحياء وزيره ، وربه ، عز وجل ، من وراء ذلك كله بالمرصاد " {[30052]} .

قال ابن أبي حاتم : يونس الحذاء وأبو حمزة مجهولان ، وأبو حمزة عن معاذ مرسل . ولو كان عن أبي حمزة لكان حسنًا . أي : لو كان من كلامه لكان حسنًا . ثم قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبي ، حدثنا صفوان بن صالح ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن أيفع بن عبد الكلاعي : أنه سمعه وهو يعظ الناس يقول : إن لجهنم سبع قناطر - قال : والصراط عليهن ، قال : فيحبس الخلائق عند القنطرة الأولى ، فيقول : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ } [ الصافات : 24 ] ، قال : فيحاسبون على الصلاة ويُسألون عنها ، قال : فيهلك فيها من هلك ، وينجو من نجا ، فإذا بلغوا القنطرة الثانية حُوسبوا على الأمانة كيف أدوها ، وكيف خانوها ؟ قال : فيهلك من هلك وينجو من نجا . فإذا بلغوا القنطرة الثالثة سُئلوا عن الرحم كيف وَصَلُوها وكيف قطعوها ؟ قال : فيهلك من هلك وينجو من نجا . قال : والرحم يومئذ متدلية إلى الهُويّ في جهنم تقول : اللهم من وصلني فَصِلْه ، ومن قطعني فاقطعه . قال : وهي التي يقول الله عز وجل : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } .

هكذا أورد هذا الأثر ، ولم يذكر تمامه .


[30051]:- (3) في أ: "يراصد".
[30052]:- (4) ورواه أبو نعيم في الحلية (10/31) من طريق إسحاق بن أبي حسان، عن أحمد بن أبي الحواري به، ورواه أبو نعيم في الحلية (1/26) من طريق عبد الملك بن أبي كريمة، عن أبي حاجب، عن عبد الرحمن، عن معاذ مرفوعا بنحوه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ} (14)

وجملة : { إن ربك لبالمرصاد } تذييل وتعليل لإِصابتهم بسوط عذاب إذا قُدِّر جواب القسم محذوفاً . ويجوز أن تكون جواب القَسَم كما تقدم آنفاً .

فعلى كون الجملة تذييلاً تكون تعليلاً لجملة { فصب عليهم ربك سوط عذاب } تثبيتاً للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن الله ينصر رسله وتصريحاً للمعاندين بما عَرَّض لهم به من توقع معاملته إياهم بمثل ما عامل به المكذبين الأولين . أي أن الله بالمرصاد لكل طاغ مفسد .

وعلى كونها جواب القسم تكون كناية عن تسليط العذاب على المشركين إذ لا يراد من الرصد إلا دفع المعتدي من عدوّ ونحوه ، وهو المقسم عليه وما قبله اعتراضاً تفنناً في نظم الكلام إذْ قُدم على المقصود بالقسم ما هو استدلال عليه وتنظير بما سبق من عقاب أمثالهم من الأمم من قوله : { ألم تر كيف فعل ربك بعاد } الخ ، وهو أسلوب من أساليب الخطابة إذّ يُجعل البيان والتنظير بمنزلة المقدمة ويجعل الغرض المقصود بمنزلة النتيجة والعلةِ إذا كان الكلام صالحاً للاعتبارين مع قصد الاهتمام بالمقدَّم والمبادرة به .

والعدول عن ضمير المتكلم أو اسم الجلالة إلى { ربك } في قوله : { فصب عليهم ربك سوط عذاب } وقوله : { إن ربك لبالمرصاد } إيماء إلى أن فاعل ذلك رَبه الذي شأنه أن ينتصر له ، فهو مُؤمّل بأن يعذب الذين كذبوه انتصاراً له انتصارَ المولى لوليّه .

والمرصاد : المكان الذي يَترقب فيه الرَّصد ، أي الجماعة المراقبون شيئاً ، وصيغةُ مفعال تأتي للمكان وللزمان كما تأتي للآلة ، فمعنى الآلة هنا غير محتمل ، فهو هنا إما للزمان أو المكان إذ الرصد الترقب .

وتعريف « المرصاد » تعريف الجنس وهو يفيد عموم المتعلِّق ، أي بالمرصاد لكل فاعل ، فهو تمثيل لعموممِ علم الله تعالى بما يكون من أعمال العباد وحركاتهم ، بحال اطلاع الرصَد على تحركات العدُوّ والمغيرين ، وهذا المثلُ كناية عن مجازاة كل عامل بما عمِله وما يعمله إذ لا يقصد الرصد إلا للجزاءِ على العدوان ، وفي ما يفيده من التعليل إيماء إلى أن الله لم يظلمهم فيما أصابهم به .

والباء في قوله { بالمرصاد } للظرفية .