الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ} (14)

( ص ) : قال ابن الأنباري : { إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد } هُو جوابُ القَسَمِ ، وقيل : محذوفٌ ، وقيل : الجوابُ : { هَلْ فِي ذَلِكَ } و{ هَلْ } بمعنى ( إنّ ) وليس بشيء ، انتهى . و{ المِرْصَادُ } والمَرْصَدُ : مَوْضِعُ الرَّصْدِ ، قاله بعض اللغويين ، أي : أَنَّه تعالى عنْدَ لسانِ كل قائلٍ ومَرْصَدٍ لكلِّ فاعلٍ ، وإذا عَلِمَ العبدُ أَنَّ مولاه له بالمرصادِ ودَامَتْ مراقبتُه في الفؤادِ ، حَضَره الخوفُ والحذُر لا محالةَ ، { واعلموا أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فاحذروه } قال أبو حامد في «الإحياء » : " وبحسبِ معرفةِ العبد بِعيوبِ نفسهِ ، ومعرفتهِ بجلالِ ربه وتعالِيه واستغنائِه ، وأنه لا يُسْأَلُ عما يفعلُ ؛ تَكُونُ قوةُ خوفِه ، فأخوفُ الناسِ لربه أعرفُهم بنفسِهِ وبربهِ ، ولذا قَال صلى الله عليه وسلم : " أنا أخوفُكم للَّه " ، ولذلكَ قال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء } [ فاطر : 28 ] ثم إذا كَمُلَتِ المعرفةُ أورثتِ الخوفَ واحْتراقَ القلبِ ، ثم يُفِيضُ أَثَرُ الحُرْقَةِ من القلبِ على البَدَنِ فَتَنْقَمِعُ الشهواتُ ، وتحترقُ بالخوفِ ، ويحصُلُ في القلب الذبولُ والخشوعُ والذِّلَةُ والاستكانةُ ، ويصيرُ العبدُ مستوعبَ الهَمِّ بخوفِه والنظرِ في خطرِ عاقبتِه ؛ فلا يتفرغُ لغيرهِ ، ولا يكونُ له شُغْل إلا المراقَبَة والمحاسبَة والمجاهدَة والضِّنَّة الأنْفَاسِ واللحظاتِ ، ومؤاخَذَةِ النفسِ في الخَطَراتِ والخُطُواتِ والكلماتِ ، ثم قال : واعْلَمْ أنه لاَ تَنْقَمِعُ الشهواتُ بشيءٍ كما تنقمع بنَارِ الخَوْفِ " ، انتهى .