قوله تعالى : { قالوا أإنك لأنت يوسف } ، قرأ ابن كثير وأبو جعفر : { إنك } على الخبر ، وقرأ الآخرون على الاستفهام . قال ابن إسحاق : كان يوسف يتكلم من وراء ستر فلما قال يوسف : هل علمتم ما فعلتم ؟ كشف عنهم الغطاء ورفع الحجاب ، فعرفوه . وقال الضحاك عن ابن عباس : لما قال هذا القول تبسم يوسف فرأوا ثناياه كاللؤلؤ المنظوم فشبهوه بيوسف ، فقالوا استفهاما أئنك لأنت يوسف ؟ وقال عطاء عن ابن عباس : إن إخوة يوسف لم يعرفوه حتى وضع التاج عن رأسه ، وكان له في قرنه علامة وكان ليعقوب مثلها ولإسحاق مثلها ولسارة مثلها شبه الشامة ، فعرفوه فقالوا : أئنك لأنت يوسف ؟ وقيل : قالوه على التوهم حتى { قال أنا يوسف وهذا أخي } ، بنيامين ، { قد من الله علينا } ، أنعم علينا بأن جمع بيننا { إنه من يتق } ، بأداء الفرائض واجتناب المعاصي ، { ويصبر } ، عما حرم الله عز وجل عليه . قال ابن عباس : يتقي الزنا ويصبر عن العزوبة . وقال مجاهد : يتقي المعصية ويصبر على السجن ، { فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } .
يقول تعالى مخبرا عن يوسف ، عليه السلام : أنه لما ذكر له إخوته ما أصابهم من الجهد والضيق وقلة الطعام وعموم الجدب ، وتذكر أباه وما هو فيه من الحزن لفقد ولديه ، مع ما هو فيه من الملك والتصرف والسعة ، فعند ذلك أخذته رقة ورأفة ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته ، وبدره البكاء ، فتعرف إليهم ، يقال{[15280]} إنه رفع التاج عن جبهته ، وكان فيها شامة ، وقال : { هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ } ؟ يعني : كيف فرقوا بينه وبينه { إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ } أي : إنما حملكم على هذا{[15281]} الجهل بمقدار هذا الذي ارتكبتموه ، كما قال بعض السلف : كل من عصى الله فهو جاهل ، وقرأ : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ } إلى قوله : { إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } [ النحل : 119 ] .
والظاهر - والله أعلم - أن يوسف ، عليه السلام ، إنما تعرف إليهم بنفسه ، بإذن الله له في ذلك ، كما أنه إنما أخفى منهم نفسه في المرتين الأوليين{[15282]} بأمر الله تعالى له في ذلك ، والله أعلم ، ولكن لما ضاق الحال واشتد الأمر ، فَرَّج الله تعالى من ذلك الضيق ، كما قال تعالى : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }{[15283]} [ الشرح : 5 ، 6 ] ، فعند ذلك قالوا : { أَئِنَّكَ لأنْتَ يُوسُفُ } ؟
وقرأ أبيّ بن كعب : " أو أنت{[15284]} يُوسُفُ " ، وقرأ ابن مُحَيْصِن : " إنَّك لأنتَ{[15285]} يُوسُفُ " . والقراءة المشهورة هي الأولى ؛ لأن الاستفهام يدل على الاستعظام ، أي : إنهم تَعجَّبوا من ذلك أنهم يترددون إليه من سنتين وأكثر ، وهم لا يعرفونه ، وهو مع هذا يعرفهم ويكتم نفسه ، فلهذا قالوا على سبيل الاستفهام : { أَئِنَّكَ لأنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي } { قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا } أي : بجمعه بيننا بعد التفرقة وبعد المدة ، { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ } يقولون معترفين له بالفضل والأثرة عليهم في الخلق والخلق ، والسعة والملك ، والتصرف والنبوة أيضا - على قول من لم يجعلهم أنبياء - وأقروا له بأنهم أساءوا إليه وأخطئوا في حقه .
وقرأت فرقة «أأنك يوسف » بتحقيق الهمزتين ، وقرأت فرقة بإدخال ألف بين همزتين وتحقيقهما «أإنك » ، وقرأت فرقة بتسهيل الثانية «إنك » ، وقرأ ابن محيصن وقتادة وابن كثير «إنك » على الخبر وتأكيده وقرأ أبي بن كعب «أأنك أو أنت يوسف » قال أبو الفتح : ينبغي أن يكون هذا على حذف خبر «إن » كأنه قال : أئنك لغير يوسف أو أنت يوسف{[6817]} ؟ وحكى أبو عمرو الداني : أن في قراءة أبي بن كعب : «أو أنت يوسف » وتأولت فرقة ممن قرأ «إنك » إنها استفهام بإسقاط حرف الاستفهام ، فأجابهم يوسف كاشفاً أمره قال : { أنا يوسف وهذا أخي }{[6818]} وقال مجاهد : أراد { من يتق } في ترك المعصية ويصبر في السجن . وقال إبراهيم النخعي : المعنى : { من يتق } الزنى ويصبر على العزوبة .
قال القاضي أبو محمد : ومقصد اللفظ إنما هو العموم في العظائم ، وإنما قال هذان ما خصصا ، لأنها{[6819]} كانت من نوازله ، ولو فرضنا نزول غيرها به لاتقى وصبر .
وقرأ الجمهور «من يتق ويصبر » وقرأ ابن كثير وحده : «ومن يتق ويصبر » بإثبات الياء ، واختلف في وجه ذلك ، فقيل : قدر الياء متحركة وجعل الجزم في حذف الحركة ، وهذا كما قال الشاعر : [ الوافر ]
ألم يأتيك والأنباء تنمي*** بما لاقت لبون بني زياد{[6820]}
قال أبو علي : وهذا مما لا نحمله عليه ، لأنه يجيء في الشعر لا في الكلام ، وقيل : «من » بمعنى الذي و «يتقي » فعل مرفوع ، و «يصبر » عطف على المعنى لأن «من » وإن كانت بمعنى الذي ففيها معنى الشرط ، ونحوه قوله تعالى : { فأصدق وأكن }{[6821]} [ المنافقون : 10 ] وقيل : أراد «يصبر » بالرفع لكنه سكن الراء تخفيفاً ، كما قرأ أبو عمرو : { ويأمركم }{[6822]} [ البقرة : 67 ] بإسكان الراء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.