السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (90)

{ قالوا أئنك لأنت يوسف } استفهام تقرير ، ولذلك حقق بأن واللام عليه ، وقيل : عرفوه بنظره وخلقه حين كلمهم ، وقيل : رفع التاج عن رأسه فرآوا علامة بقرنه تشبه الشامة البيضاء ، وكان لسارة ويعقوب وإسحاق مثلها . وقرأ ابن كثير بهمزة مكسورة بعدها نون على الخبر ، وقرأ قالون وأبو عمرو بهمزة مفتوحة بعدها همزة مكسورة مسهلة بينهما ألف على الاستفهام ، وقرأ ورش بغير ألف بينهما ، والتسهيل في الثانية على الاستفهام أيضاً ، وقرأ الباقون بتحقيق الهمزتين مع القصر ، ولهشام وجه ثان وهو المدّ ، وقيل : أنهم لم يعرفوه حتى { قال } لهم { أنا يوسف } وزادهم بقوله { وهذا أخي } بنيامين شقيقي ، وإنما ذكره لهم ليزيدهم ذلك معرفة له وتثبيتاً في أمره وليبني عليه قوله : { قد منّ الله علينا } قال ابن عباس : بكل خير في الدنيا والآخرة . وقال آخرون : بالجمع بيننا بعد التفرقة . { إنه من يتق } ، أي : المعاصي { ويصبر } ، أي : على البليات وأذى الناس وقال ابن عباس : يتقي الزنا ويصبر على العزوبة ، وقال مجاهد : يتقي المعصية ويصبر على السجن { فإن الله لا يضيع أجر المحسنين } والمعنى أنه من يتق ويصبر ، فإنّ الله لا يضيع أجرهم ، فوضع المحسنين موضع الضمير لاشتماله على المتقين ، وقرأ قنبل بإثبات الياء بعد القاف وقفاً ووصلاً ، واختلف المعربون في ذلك على وجهين : أجودهما : أنّ إثبات حرف العلة في الجزم لغة لبعض العرب وأنشدوا عليه قول قيس بن زهير :

ألم يأتيك والأنباء تنمي *** بما لاقت لبون بني زياد

وقول الآخر :

هجوت زبان ثم جئت معتذراً *** من هجو زبان لم تهجو ولم تدع

وقول الآخر :

إذا العجوز غضبت فطلقي *** ولا ترضاها ولا تملق

والثاني : أنه مرفوع غير مجزوم ومن موصولة والفعل صلتها ، فلذلك تمم بإثبات لامه وسكن { يصبر } لتوالي الحركات ، وإن كانت في كلمتين ، وقرأ الباقون بالحذف وقفاً ووصلاً .

ولما ذكر يوسف عليه السلام لإخوته أنّ الله تعالى منّ عليه ، وأنه من يتق ويصبر فإنّ الله تعالى لا يضيعهم صدقوه فيه واعترفوا له بالفضل والمرتبة.