في الابتداء حين جهلوه كانوا يقولون له في الخطاب : " يا أيها العزيز " فلمّا عرفوه قالوا : { أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ } ؛ لأنه لمَّا ارتفعت الأجنبيةُ سقط التكلُّف في المخاطبة ، وفي معناه أنشدوا :
إذا صَفَتْ المودَّةُ بين قومٍ *** ودام ودادُهم قَبُحَ الثناءُ
ويقال إنَّ التفاصُلَ والتفارُقَ بين يوسف وإخوته سَبَقا التواصلَ بينه وبين يعقوب عليهما السلام ؛ فالإخوةُ خَبَره عرفوه قبلَ أنْ عَرَفَه أبوه ليعلَم أن الحديث بلا شكٍ .
ويقال لم يتقدموا على أبيهم في استحقاق الخبر عن يوسف ومعرفته ، بل إنهم - وإن عرفوه- فلم يلاحظوه بعين المحبة والخلة ، وإنما كان غرضُهم حديثَ الميرة والطعام فقط ، فقال : { أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِى } : يعني إني لأَخٌ لِمِثْلِ هذا لمثلكم ؛ ولذا قال : { أَنَّا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِى } ، ولم يقل وأنتم إخوتي ، كأنَّه أشار إلى طرفٍ من العتاب ، يعني ليس ما عاملتموني به فِعْلَ الإخوة .
ويقال هَوَّنَ عليهم حالَ بَدَاهَةِ19 الخجلة حيث قال { أَنَا يُوسُفُ } بقوله : { وَهَذَا أَخِى } وكأنه شَغَلَهم بقوله : { وَهَذَا أَخِى } كما قيل في قوله تعالى : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى } [ طه :17 ] إنه سبحانه شَغَلَ موسى عليه السلام باستماع : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى }
[ طه :17 ] بمطالعة العصا في عين ما كوشِف به من قوله : { إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ } [ طه :14 ] .
ثم اعترف بوجدان الجزاء على الصبر في مقاساة الجهد والعناء فقال : { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } .
وسمعتُ الأستاذ أبا علي الدقاق- رحمه الله - يقول لما قال يوسف : { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ } أحَالَ في استحقاق الأجر على ما عمل من الصبر . . . فأنطقهم الله حتى أجابوه بلسان التوحيد فقالوا : { تَاللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا } يعني ليس بِصْبرِك يا يوسفُ ولا بتقواك ، وإنما هو بإيثار اللَّهِ إياك علينا ؛ فبه تقدمت علينا بحمدك وتقواك . فقال يوسف - على جهة الانقياد للحقِّ - : { لاَ تَثْرِيبَ عَلَيكُمُ اليَوْمَ } ، فأسقط عنهم اللوم ، لأنه لمَّا لم يَرَ تقواه من نفسه حيث نبَّهوه عليه نَطَقَ عن التوحيد ، وأخبر عن شهود التقدير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.