{ إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ } أي : هالك { وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
وروى الإمام أبو جعفر بن جرير [ رحمه الله ]{[12085]} تفسير هذه الآية من حديث محمد بن إسحاق وعَقِيل ، ومعمر كلهم ، عن الزهري ، عن سنان بن أبي سنان ، عن أبي واقد الليثي : أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ، قال : وكان للكفار سدرة{[12086]} يعكفون عندها ، ويعلقون بها أسلحتهم ، يقال لها : " ذات أنواط " ، قال : فمررنا بسدرة خضراء عظيمة ، قال : فقلنا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال : " قلتم والذي نفسي بيده ، كما قال قوم موسى لموسى : { اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ . إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }{[12087]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر ، عن الزهري ، عن سنان بن أبي سنان الدِّيلي ، عن أبي واقد الليثي قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين ، فمررنا بسدرة ، فقلت : يا نبي الله{[12088]} اجعل لنا هذه " ذات أنواط " ، كما للكفار ذات أنواط ، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ، ويعكفون حولها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الله أكبر ، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى : { اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ] }{[12089]} إنكم تركبون{[12090]} سنن من قبلكم " {[12091]}
ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني ، عن أبيه عن جده مرفوعا{[12092]}
{ إن هؤلاء } إشارة إلى القوم . { مُتبّر } مكسر مدمر . { ما هم فيه } يعني أن الله يهدم دينهم الذي هم عليه ويحطم أصنامهم ويجعلها رضاضا { وباطل } مضمحل . { ما كانوا يعملون } من عبادتها وإن قصدوا بها التقرب إلى الله تعالى ، وإنما بالغ في هذا الكلام بإيقاع { هؤلاء } اسم { إن } والإخبار عما هم فيه بالتبار وعما فعلوا بالبطلان ، وتقديم الخبرين في الجملتين الواقعتين خبرا لأن للتنبيه على أن الدمار لا حق لما هم فيه لا محالة ، وأن الإحباط الكلي لازب لما مضى عنهم تنفيرا وتحذيرا عما طلبوا .
أعلمهم موسى عن الله عز وجل بفساد حال أولئك القوم ليزول ما استحسنوه من حالهم فقال { إن هؤلاء } إشارة إلى أولئك القوم { متبر } أي مهلك مدمر ردي العاقبة ، قاله السدي وابن زيد ، والتبار الهلاك وسوى العقبى وإناء متبر أي مكسور وكسارته تبر ومنه تبر الذهب لأنه كسارة ، وقوله : { ما هم فيه } لفظ يعم جميع حالهم { وباطل } معناه فاسد ذاهب مضمحل .
جملة { إن هؤلاء متّبرٌ ما همُ فيه } بمعنى التعليل لمضمون جملة { إنكم قوم تجهلون } فلذلك فصلت عنها وقد أكدت وجعلت اسمية لمثل الأغراض التي ذكرت في أختها ، وقد عُرّف المسند إليه بالإشارة لتمييزهم بتلك الحالة التي هم متلبسون بها أكمل تمييز ، وللتنبيه على أنهم أحرياء بما يَرِد بعد اسم الإشارة من الأوصاف وهي كونهم متّبرا أمرهم وباطلاً عملهم ، وقُدم المسند وهو { متَبّر } على المسند إليه وهو { ما هم فيه } ليفيد تخصيصه بالمسند إليه أي : هم المعرضون للتّبار وأنه لا يعدوهم البتة ، وأنه لهم ضربة لازب ، ولا يصح أن يجعل { متَبر } مسنداً إليه لأن المقصود بالإخبار هو ما هم فيه .
والمتَبّر : المدمّر ، والتّبَار بفتح التاء الهلاك { ولا تزد الظالمين إلاّ تباراً } [ نوح : 28 ] . يقال نَبَر الشيء كضرب وتعب وقتل وتَبّره تضعيف للتعدية ، أي أهلكه والتتبير مستعار هنا لفساد الحال ، فيبقى اسم المفعول على حقيقته في أنه وصف للموصوف به في زمن الحال .
ويجوز أن يكون التتبير مستعاراً لسوء العاقبة ، شبه حالهم المزخرفُ ظاهرهُ بحال الشيء البهيج الآيل إلى الدمار والكَسْر فيكون اسم المفعول مجازاً في الاستقبال ، أي صائِر إلى السوء .
و { ما هم فيه } هو حالهم ، وهو عبادة الأصنام وما تقتضيه من الضلالات والسيئات ولذلك اختير في تعريفها طريق الموصولية لأن الصلة تحيط بأحوالهم التي لا يحيط بها المتكلم ولا المخاطبون .
والظرفية مجازية مستعارة للملابسة ، تشبيهاً للتلبس باحتواء الظرف على المظروف .
والباطل اسم لضد الحق فالإخبار به كالإخبار بالمصدر يفيد مبالغة في بطلانه لأن المقام مقام التوبيخ والمبالغة في الإنكار ، وقد تقدم آنفاً معنى الباطل عند قوله تعالى : { فوقع الحَقُّ وبَطَل ما كانوا يعملون } [ الأعراف : 118 ] .
وفي تقديم المسند ، وهو { باطل } على المسند إليه وهو { ما كانوا يعملون } ما في نظيره من قوله : { متبر ما هم فيه } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.