الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ مُتَبَّرٞ مَّا هُمۡ فِيهِ وَبَٰطِلٞ مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (139)

قوله تعالى : { إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ } : " هؤلاء " إشارة لمَنْ عَكَفوا على الأصنام و " مُتَبَّر " فيه وجهان ، أحدهما : أن يكون خبراً ل إنَّ و " ما " موصولة بمعنى الذي ، و " هم فيه " جملةٌ اسميةٌ صلةٌ وعائدُه ، وهذا الموصولُ مرفوعٌ باسم المفعول فيكون قد أَخْبَرْت بمفرد رفعت به شيئاً . والثاني : أن يكونَ الموصولُ مبتدأً ، و " مُتَبَّر " خبره قُدِّم عليه ، والجملةُ خبرٌ ل إنَّ . قال الزمخشري : " وفي ارتفاع " هؤلاء " اسماً ل " إنَّ " ، وتقديمُ خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبراً لها وَسْمٌ لعبارة الأصنام بأنهم هم المعرَّضون للتَّبار وأنه لا يَعْدوهم البتة ، وأنه لهم ضربةُ لازم ليحذِّرهم عاقبةَ ما طلبوا ويبغض إليهم ما أحبُّوا " . قال الشيخ : " ولا يتعيَّن ما قاله من [ أنه ] قدَّم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبراً ، لأنَّ الأحسنَ في إعراب مثل هذا أن يكون " مُتَبَّر " خبراً ل إنَّ وما بعده مرفوعٌ " فذكر ما قَرَّرْتُه ، ونظَّره بقولك : " إنَّ زيداً مضروب غلامه " . قال : " فالأحسن أن يكون " غلامه " مرفوعاً ب " مضروب " .

ثم ذكر الوجه الثاني وهو أن يكون " مُتَبَّر " خبراً مقدماً من الجملة ، وجعله مرجوحاً وهو كما قال ، لأنَّ الأصل في الأخبار أن تكون مفردةً فما أمكن فيها ذلك لا يُعْدل عنه . إلا أن الزمخشريَّ لم يَذْكر ذلك على سبيل التعيين بل على أحد الوجهين . وقد يكون هذا عنده أرجحَ مِنْ جهة ما ذكره من المعنى ، وإذا دار الأمر بين مُرَجِّح لفظي ومُرَجِّح معنوي ، فاعتبارُ المعنويِّ أولى ، ولا أظنُّ حَمَل الزمخشري على ذلك إلا ما ذكرت .

وقوله : { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ } كقوله { مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ } من جواز الوجهين وما ذُكِر فيهما .

والتَتْبير : الإِهلاكُ ، ومنه " التِّبْر " وهو كِسارة الذهب لتهالك الناس عليه . وقيل : التتبير : التكسير والتحطيم ومنه التِّبْر لأنه كِسارة الذهب .