اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ مُتَبَّرٞ مَّا هُمۡ فِيهِ وَبَٰطِلٞ مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (139)

قوله إنَّ هؤلاء مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ . هؤلاءِ إشارة لِمَنْ عَكَفُوا على الأصنام ، ومُتَبَّرٌ فيه وجهان : أحدهما : أن يكون خبراً ل " إنَّ " و " مَا " موصولةٌ بمعنى " الَّذي " وهُمْ فِيهِ جملةٌ اسميةٌ صلةٌ وعائده ، وهذا الموصولُ مرفوعٌ باسم المفعول فتكون قد أخْبَرْتَ بمفرد رفعت به سَبَبّاً .

والثاني : أن يكون الموصولُ مبتدأ ، ومُتَبَّرٌ خبره قُدِّم عليه ، والجملةُ خبرٌ ل " إنَّ " .

قال الزمخشريُّ{[16772]} : وفي إيقاع " هؤلاء " اسماً ل " إنَّ " ، وتقديمُ خبر المبتدأ من الجملة الواقعةِ خبراً لها وسمٌ لعبدة الأصنام بأنَّهم هم المُعَرَّضُونَ للتَّبَار ، وأنَّهُ لا يَعْدُوهُم ألْبتَّة ، وأنَّهُ لهم ضربةُ لازم ، ليحذِّرهم عاقبة ما طلبوا ، ويبغض إليهم ما أحَبُّوا .

قال أبُو حيَّان{[16773]} : " ولا يتعيَّنُ ما قاله من تقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبراً ل " إنَّ " ، لأنَّ الأحْسَنَ في إعراب مثل هذا أن يكونُ مُتَبَّرٌ خبراً ل " إنَّ " وما بعده مرفوعٌ " فذكر ما قرَّرْتُهُ ، ونظَّره بقولك : " إنَّ زَيْداً مضروبٌ غلامُهُ " .

قال : فالأحْسَنُ أن يكون " غلامه " مرفوعاً ب " مضروب " ، ثم ذكر الوجه [ الثاني ] وهو أن يكون " مُتَبَّرٌ " خبراً مقدماً من الجملة ، وجعله مرجوحاً .

وهو كما قال ، لأنَّ الأصلَ في الأخبارِ أن تكون مفردةً ، فما أمكن فيها ذلك لا يُعْدل عنه ، إلا أنَّ الزمخشريَّ لم يذكر ذلك على سبيل التَّعيين ، بل على أحد الوجهين وقد يكونُ هذا عنده أرجحَ من جهة ما ذكر من المعنى ، وإذا دار الأمر بين مُرَجِّح لفظيّ ، ومُرَجِّح معنويٍّ فاعتبارُ المعنويِّ أولى ، ولا أظُنُّ حَمَلَ الزمخشري على ذلك إلا ما ذكرت .

وقوله { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } كقوله { مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ } من جواز الوجهين وما ذُكِر فيهما .

والتَتْبيرُ : التَّكسير ، والتَّحطيم . والبطلان قيل : عدم الشَّيءِ إمَّا بعدم ذاته ، وإما بعدم فائدته ومقصوده .


[16772]:ينظر: الكشاف 2/150.
[16773]:ينظر: البحر المحيط 4/377-378.