معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ} (8)

قوله عز وجل{ ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى } اختلفوا في معناه . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن أبي الأشوع عن الشعبي عن مسروق قال : قلت لعائشة فأين قوله : ( ثم دنا فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ) . قالت : ذلك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل ، وإنه أتاه هذه المرة في صورته التي هي صورته ، فسد الأفق .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا طلق بن غنام ، حدثنا زائدة عن الشيباني قال : سألت زراً عن قوله :{ فكان قاب قوسين أو أدنى } ، قال : أخبرنا عبد الله يعني ابن مسعود أن النبيً صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح . فمعنى الآية : ثم دنا جبريل بعد استوائه بالأفق أعلى من الأرض فتدلى فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان منه قاب قوسين أو أدنى ، وبه قال ابن عباس والحسن وقتادة ، قيل : في الكلام تقديم وتأخير ، تقديره : ثم تدلى فدنا ، لأن التدلي سبب الدنو . وقال آخرون : ثم دنا الرب عز وجل من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى ، فقرب منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى . وروينا في قصة المعراج عن شريك بن عبد الله عن أنس : ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى . وهذه رواية أبي سلمة عن ابن عباس ، والتدلي هو النزول إلى الشيء حتى يقرب منه . وقال مجاهد : دنا جبريل من ربه . وقال الضحاك : دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربه فتدلى فأهوى للسجود ، فكان قاب قوسين أو أدنى . ومعنى قوله :{ قاب قوسين } أي : قدر قوسين ، والقاب والقيب والقاد والقيد : عبارة عن المقدار ، والقوس : ما يرمى به في قول مجاهد وعكرمة وعطاء عن ابن عباس ، فأخبر أنه كان بين جبريل وبين محمد عليهما السلام مقدار قوسين ، قال مجاهد : معناه حيث الوتر من القوس ، وهذا إشارة إلى توكد القصد . وأصله : أن الحليفين من العرب كانا إذا أرادا عقد الصفا والعهد خرجا بقوسيهما فألصقا بينهما ، يريدان بذلك أنهما مظاهران يحامي كل واحد منهما عن صاحبه . وقال عبد الله بن مسعود : ( قاب قوسين ) أي : قدر ذراعين ، وهو قول سعيد بن جبير وشقيق بن سلمة ، والقوس : الذراع يقاس بها كل شيء ، ( أو أدنى ) : بل أقرب .

   
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ دَنَا فَتَدَلّىَ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىَ * فَأَوْحَىَ إِلَىَ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىَ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىَ } .

يقول تعالى ذكره : ثم دنا جبريل من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى إليه ، وهذا من المؤخّر الذي معناه القديم ، وإنما هو : ثم تدلى فدنا ، ولكنه حسن تقديم قوله : دنا ، إذ كان الدنوّ يدلّ على التدلي والتدلي على الدنوّ ، كما يقال : زارني فلان فأحسن ، وأحسن إليّ فزارني وشتمني ، فأساء ، وأساء فشتمني لأن الإساءة هي الشتم : والشتم هو الإساءة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ثُمّ دَنا فَتَدَلَى قال : جبريل عليه السلام .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ثُمّ دَنَا فَتَدَلَى يعني : جبريل .

حدثنا اين حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ثُمّ دَنَا فَتَدَلَى قال : هو جبريل عليه السلام .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم دنا الربّ من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى . ذكر من قال ذلك :

حدثنا يحيى بن الأمويّ ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سَلَمة ، عن ابن عباس ثُمّ دَنا فَتَدَلَى قال : دنا ربه فتدلىّ .

حدثنا الربيع ، قال : حدثنا ابن وهب ، عن سليمان بن بلال ، عن شريك بن أبي نمر ، قال : سمعت أنس بن مالك يحدّثنا عن ليلة المسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرج جبرائيل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة ، ثم علا به بما لا يعلمه إلا الله ، حتى جاء سدرة المنتهى ، ودنا الجبار ربّ العزّة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى الله إليه ما شاء ، فأوحى الله إليه فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كلّ يوم وليلة ، وذكر الحديث .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ} (8)

{ ثم دنا } من النبي عليه الصلاة والسلام . { فتدلى } فتعلق به وهو تمثيل لعروجه بالرسول صلى الله عليه وسلم . وقيل ثم تدلى من الأفق الأعلى فدنا فيكون من الرسول إشعارا بأنه عرج به غير منفصل عن محله تقريرا لشدة قوته ، فإن التدلي استرسال مع تعلق كتدلي الثمرة ، ويقال دلى رجليه من السرير وأدلى دلوه ، والدوالي الثمر المعلق .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ} (8)

واختلف الناس إلى من استند قوله . { ثم دنا فتدلى } فقال الجمهور : استند إلى جبريل عليه السلام ، أي دنا إلى محمد في الأرض عند حراء . وقال ابن عباس وأنس في حديث الإسراء ما يقتضي أنه يستند إلى الله تعالى ، ثم اختلف المتأولون ، فقال مجاهد : كان الدنو إلى جبريل . وقال بعضهم : كان إلى محمد . و : { دنا فتدلى } على هذا القول معه حذف مضاف . أي دنا سلطانه ووحيه وقدره لا الانتقال ، وهذه الأوصاف منتفية في حق الله تعالى . والصحيح عندي أن جميع ما في هذه الآيات هو مع جبريل ، بدليل قوله : { ولقد رآه نزلة أخرى } [ النجم : 13 ] فإن ذلك يقضي بنزلة متقدمة ، وما روي قط أن محمداً رأى ربه قبل ليلة الإسراء ، أما أن الرؤية بالقلب لا تمنع بحال و { دنا } أعم من : «تدلى » ، فبين تعالى بقوله : { فتدلى } هيئة الدنو كيف كانت .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ} (8)

والدنوّ : القرب ، وإذ قد كان فعل الدنوّ قد عطف ب { ثم } على { فاستوى وهو بالأفق الأعلى } علم أنه دنا إلى العالم الأرضي ، أي أخذ في الدنو بعد أن تلقى ما يبلغه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم

وتدلّى : انخفض من علو قليلاً ، أي ينزل من طبقات إلى ما تحتها كما يتدلى الشيء المعلق في الهواء بحيث لو رآه الرائي يحسبه متدلياً ، وهو ينزل من السماء غير منقضَ .