قوله تعالى : { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله } قال ابن عباس رضي الله عنهما : فما ساءه وسره ويخشى الله على ما عمل من الذنوب . { ويتقه } فيما بعد ، { فأولئك هم الفائزون } الناجون . قرأ أبو عمرو وأبو بكر ( يتقه ) ساكنة الهاء ، ويختلسها أبو جعفر ويعقوب وقالون ، كما في نظائرها ويشبعها الباقون كسراً ، وقرأ حفص ( يتقه ) بسكون القاف واختلاس الهاء ، وهذه اللغة إذا سقطت الياء للجزم يسكنون ما قبلها ، يقولون : لم أشتر طعاماً ، بسكون الراء .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللّهَ وَيَتّقْهِ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْفَآئِزُون } .
يقول تعالى ذكره : ومن يطع الله ورسوله فيما أمره ونهاه ، ويسلّمْ لحكمهما له وعليه ، ويَخَفْ عاقبة معصية الله ويحذره ، ويتق عذاب الله بطاعته إياه في أمره ونهيه فَأُولَئِكَ يقول : فالذين يفعلون ذلك هم الفائزون برضا الله عنهم يوم القيامة وأمنهم من عذابه . ) القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنّ قُل لاّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مّعْرُوفَةٌ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وحلف هؤلاء المعرِضون عن حكم الله وحكم رسوله إذ دعوا إليه باللّهِ جَهْدَ أيمَانِهِمْ يقول : أغلظ أيمانهم وأشدّها : لَئِنْ أمَرْتَهُمْ يا محمد بالخروج إلى جهاد عدوّك وعدوّ المؤمنين لَيَخْرُجُنّ قُلْ لا تُقْسمُوا لا تحلفوا ، فإن هذه طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ منكم ، فيها التكذيب . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله : قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ قال : قد عُرفت طاعتكم إليّ أنكم تكذبون . إنّ اللّهَ خَبيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ يقول : إن الله ذو خبرة بما تعملون من طاعتكم الله ورسوله ، أو خلافكم أمرهما أو غير ذلك من أموركم ، لا يخفي عليه من ذلك شيء ، وهو مجازيكم بكل ذلك .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ومن يطع الله ورسوله فيما أمره ونهاه، ويسلّمْ لحكمهما له وعليه، ويَخَفْ عاقبة معصية الله ويحذره، ويتق عذاب الله بطاعته إياه في أمره ونهيه "فَأُولَئِكَ "يقول: فالذين يفعلون ذلك هم الفائزون برضا الله عنهم يوم القيامة وأمنهم من عذابه.
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
ذكر الطاعة والخشية ثم ذكر التقوى، فعلمت أن حقيقة التقوى معنى سوى الطاعة والخشية، وهي تنزيه القلب عن الذنوب على ما ذكرنا.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ولقد جمع الله في هذه الآية أسباب الفوز. وعن ابن عباس في تفسيرها {وَمَن يُطِعِ الله} في فرائضه {وَرَسُولُهُ} في سننه {وَيَخْشَ الله} على ما مضى من ذنوبه {وَيَتَّقْهِ} فيما يستقبل.
{ومن يطع الله ورسوله} أي فيما ساءه وسره {ويخش الله} فيما صدر عنه من الذنوب في الماضي {ويتقه} فيما بقي من عمره {فأولئك هم الفائزون} وهذه الآية على إيجازها حاوية لكل ما ينبغي للمؤمنين أن يفعلوه.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وقد كان الحديث في الآية السابقة عن الطاعة والتسليم في الأحكام. فالآن يتحدث عن الطاعة كافة في كل أمر أو نهي، مصحوبة هذه الطاعة بخشية الله وتقواه. والتقوى أعم من الخشية، فهي مراقبة الله والشعور به عند الصغيرة والكبيرة؛ والتحرج من إتيان ما يكره توقيرا لذاته سبحانه، وإجلالا له، وحياء منه، إلى جانب الخوف والخشية.
ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون، الناجون في دنياهم وأخراهم. وعد الله ولن يخلف الله وعده. وهم للفوز أهل، ولديهم أسبابه من واقع حياتهم. فالطاعة لله ورسوله تقتضي السير على النهج القويم الذي رسمه الله للبشرية عن علم وحكمة، وهو بطبيعته يؤدي إلى الفوز في الدنيا والآخرة. وخشية الله وتقواه هي الحارس الذي يكفل الاستقامة على النهج، وإغفال المغريات التي تهتف بهم على جانبيه، فلا ينحرفون ولا يلتفتون.
وأدب الطاعة لله ورسوله، مع خشية الله وتقواه، أدب رفيع، ينبىء عن مدى إشراق القلب بنور الله، واتصاله به، وشعوره بهيبته. كما ينبىء عن عزة القلب المؤمن واستعلائه. فكل طاعة لا ترتكن على طاعة الله ورسوله، ولا تستمد منها، هي ذلة يأباها الكريم، وينفر منها طبع المؤمن، ويستعلي عليها ضميره. فالمؤمن الحق لا يحني رأسه إلا لله الواحد القهار.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
...والفوز: الظفر بالمطلوب الصالح.
والطاعة: امتثال الأوامر واجتناب النواهي.
والخشية: الخوف، وهي تتعلق بالخصوص بما عسى أن يكون قد فُرّط فيه من التكاليف على أنها تعم التقصير كله.
والتقوى: الحذر من مخالفة التكاليف في المستقبل.
فجمعت الآية أسباب الفوز في الآخرة وأيضاً في الدنيا. وصيغة الحصر للتعريض بالذين أعرضوا إذا دعوا إلى الله ورسوله وهي على وزن صيغة القصر التي تقدمتها.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
الواو عاطفة استئنافية، لبيان أن من يتقي الله ويخشاه هو الذي يفوز حقا، ونجد هذا الكلام فيه شرط وجزاء، والشرط مكون من أجزاء ثلاثة بعضها مترتب على بعض. أولها: طاعة الله ورسوله، بامتلاء القلب بالطاعة. بحيث يخضع له ظاهرا وباطنا، ويخضع قلبه مع خضوع كل جوارحه، وهذا هو الجزء الأول ثم ينتقل من الطاعة الخاضعة الخانعة إلى الخشية، خشية الله تعالى، إذ يعلم ذاته وصفاته، ويمتلئ بهيبته وطاعته، كما قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء... (28)} [فاطر]، ويقول الراغب الأصفهاني: والخشية خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك على علم بما يخشى منه، وقال تعالى في صفة العلماء: {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله... (39)} [الأحزاب]. وإنه يجيء بعد الخشية الخوف من الله واتقاء عذابه، ولذا قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ}، فالتقوى جعل وقاية بين الشخص وعذاب الله تعالى، قال تعالى في وصف المؤمنين، {إن الذين هم في خشية من ربهم مشفقون (57)} [المؤمنون].هذه أجزاء الشرط، أما الجزاء، فهو قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} الفاء فاء الجزاء، والإشارة إلى المتصفين بهذه الصفات الجليلة، والإشارة إلى موصوف بصفات تكون الصفات سبب الجزاء، فهذه الصفات سبب الفوز، والآيات تفيد قصر الفوز عليهم ونصرهم، وذلك لتعريف الطرفين، وقد أكد سبحانه وتعالى فوزهم بالجملة الاسمية، وبضمير الفصل (هم)، وبقصر الفوز عليهم.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في أقواله وأفعاله وعلاقاته والتزاماته، بحيث تكون الطاعة خطه المستقيم في كل حياته {وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ} فيراقبه في كل شيء، ويحسب حسابه في جميع الأمور، بحيث تشكّل التقوى عمق فكره وروحه وحياته وحركته في مجرى الأحداث، فهو يعيش مع الله، ويدرك سرّ عظمته وقوّته، ويعرف موقع نعمته في وجوده وفي كل تفاصيل حياته، ويخاف من عقابه، ويرغب في ثوابه، فيلتقي بأوامره ونواهيه من أقرب طريق، وذلك هو سبيل الفوز في الدنيا والآخرة، فمن أخذ بهذا الخط من الناس {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَآئِزُون} الذين يحصلون على رضى الله وجنته ونعيمه في الدار الآخرة.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.