قال ابن عباس : فيما ساءه وسره «وَيخْشَى اللَّهَ » فيما صدر عنه من الذنوب في الماضي «وَيَتَّقِه » فيما بقي من عمره { فأولئك هُمُ الفائزون } الناجون .
قوله : «وَيَتَّقِهِ » . القراء فيه بالنسبة إلى القاف على مرتبتين :
الأولى : تسكينُ{[35156]} القاف ، ولم يقرأ بها إلاّ حفص . والباقون بكسرها{[35157]} .
وأما بالنسبة إلى هاء الكناية فإنهم فيها على خمس مراتب :
الأولى : تحريكُهَا مَفْصُولةً{[35158]} قولاً واحداً ، وبها قرأ ورشٌ وابن ذَكْوَانَ وخَلَفٌ وابن كثير والكسائي{[35159]} .
الثانية : تسكينها قولاً واحداً ، وبها قرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم{[35160]} .
الثالثة : إسكان الهاء أو{[35161]} وصلها بياء ، وبها قرأ خلاَّد{[35162]} .
الرابعة{[35163]} : تحريكها من غير صلة ، وبها قرأ قالون وحفص{[35164]} .
الخامسة : تحريكها موصولة أو مقصورة{[35165]} ، وبها قرأ هشام {[35166]} .
فأمَّا إسكان الهاء وقصرها وإشباعها فقد مرَّ تحقيقه مستوفًى{[35167]} . وأما تسكين القاف فإنهم حملوا المنفصل على المتَّصل ، وذلك أنهم يُسَكِّنُون عين «فَعل »{[35168]} فيقولون : كَبْد ، وكتف ، وصبر في كَبِد وكَتِف وصبِر{[35169]} ، لأنها كلمة واحدة ، ثم أجري ما أشبه ذلك من المنفصل مُجْرَى المتصل ، فإن «يَتَّقِه » صار منه «تَقِه » بمنزلة «كَتِف » فسكن كما يسكن ، ومنه :
قَالَتْ سُلَيْمَى اشْتَرْ لَنَا سَوِيقَا{[35170]} *** . . .
فَبَاتَ مُنْتَصباً وَمَا تَكَرْدَسَا{[35171]} *** . . .
عَجِبْتُ لمَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ *** وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوَانِ{[35172]}
يريد : «مُنْتَصِباً » ، و «لَمْ يَلِدْهُ » .
وتقدم في أول البقرة تحرير هذا الضابط في قوله : «فهي كالحجارة »{[35173]} و «هي » و «هو » ونحوها :
وقال مكيٌّ : كان يجب على من سَكَّنَ القاف أن يضُمَّ الهاء ، لأنَّ هاء الكناية إذا سُكِّن ما قبلها ولم يكن الساكن ياءً ضُمَّتْ نحو «مِنْهُ » و «عَنْهُ » ، ولكن لما كان سكون القاف عارضاً لم يعتدَّ به ، وأبقى الهاء على كسرتها التي كانت عليها مع كسر القاف ، ولم يصلها بياء ، لأنَّ الياء المحذوفة قبل الهاء مُقَدَّرَةٌ مَنْويَّةٌ ، ( فبقي الحذف الذي في الياء قبل الهاء على أصله {[35174]} ) {[35175]} .
وقال الفارسيُّ : الكسرة في الهاء لالتقاء الساكنين ، وليست الكسرة التي قبل الصلة ، وذلك أنَّ هاء الكناية ساكنةٌ في قراءته ، ولما أَجْرَى «تَقِهِ » مجرى كَتِفٍ ، وسكَّن القاف التقى ساكنان ، ولمَّا التقيا اضطر إلى تحريك أحدهما ، فإمَّا أن يحرِّك الأول أو الثاني ، ( و ){[35176]} لا سبيل إلى تحريك الأول ، لأنه يعود إلى ما فرَّ منه ، وهو ثقل «فَعِل »{[35177]} فحرَّك ثانيهما ( على غير ){[35178]} أصل التقاء الساكنين ، فلذلك كسر الهاء ، ويؤيده قوله :
. . . *** لَمْ يَلْدَه أبَوَانِ{[35179]}
وذلك أن أصله : لم «يَلِدْه » بكسر اللام وسكون الدال للجزم ، ثم لما سكن اللام التقى ساكنان ، فلو حرك الأول لعاد إلى ما فرَّ منه ، فحرك ثانيهما وهو الدال ، وحركها بالفتح وإن كان على خلاف أصل التقاء الساكنين مراعاة لفتحة الياء{[35180]} . وقد ردَّ أبو القاسم بن فيره{[35181]} قول الفارسي وقال : لا يصحُّ قوله : إنه كسر الهاء لالتقاء الساكنين ، لأن حفصاً لم يسكِّن الهاء في قراءته قطُّ{[35182]} وقد رد أبو عبد الله{[35183]} شارح قصيدته{[35184]} هذا الردَّ ، وقال : وعجبت من نفْيِهِ الإسكان عَنْهُ مع ثُبُوتِهِ عَنْهُ في «أَرْجِهْ »{[35185]} و «فَأَلْقِهْ »{[35186]} ، وإذا قَرَأَهُ في «أَرْجِهْ » و «فَأَلْقِهْ » احتمل أن يكون «يَتَّقِهْ » عنده قبل سكون القاف كذلك ، وربما يرجَّحَ ذلك بما ثبت عن عاصم من قراءته إيَّاه بسكون الهاء مع كسر القاف{[35187]} . قال شهاب الدين : لم يَعْنِ الشاطبيُّ بأنَّه لم يسكن الهاء قطّ ، الهاء من حيث هي هي{[35188]} ، وإنما ( عَنَى هَاء ) {[35189]} «يَتَّقِهْ » خاصة ، وكان الشاطبيّ أيضاً يعترض التوجيه الذي تقدم عن مكيّ ، ويقول : تعليله حذف الصلة بأن الياء المحذوفة قبل الهاء مقدَّرةٌ منويَّةٌ ، فبقي في حذف الصلة بعد الهاء على أصله غير مستقيم من قبل أنَّه قرأ «يُؤَدِّهِي »{[35190]} وشبَّهه بالصلة ، ولو كان يعتبر{[35191]} ما قاله من تقدير الياء قبل الهاء لم يصلها{[35192]} .
قال أبو عبد الله : هو وإن قرأ «يُؤَدِّ هِي » وشبَّهَهُ بالصلة فإنه قرأ : «يَرْضَهُ »{[35193]} بغير صلةٍ ، فَألحق مكيّ «يَتَّقِه » ب «يَرْضَهْ » ، وجعله مما خرج فيه عن نظائره لاتّباع الأثر ، والجمع بين اللغتين ، ويرجح ذلك عنده لأنّ اللفظ عليه ، ولما كانت القاف في حكم المكسورة بدليل كسر الهاء بعدها صار كأنه «يَتَّقِهِ » بكسر القاف والهاء من غير صلةٍ ، كقراءة قالون وهشام في أحد وجهيه{[35194]} ، فعلَّله بما يُعَلَّل به قراءتهما{[35195]} ، والشاطبيُّ يرجح عنده حمله على الأكثر مما قرأ به ، لا على ما قلَّ وندر ، فاقتضى تعليله بما ذكر{[35196]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.