معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ} (20)

قوله تعالى : { لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية } أي : منازل في الجنة رفيعة ، وفوقها منازل أرفع منها . { تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد } أي : وعدهم الله تلك الغرف والمنازل ، وعداً لا يخلفه .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني مالك عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم ، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم . قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم . قال :بلى ، والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ} (20)

قوله تعالى : " لكن الذين اتقوا ربهم " لما بين أن للكفار ظلا من النار من فوقهم ومن تحتهم بين أن للمتقين غرفا فوقها غرف ؛ لأن الجنة درجات يعلو بعضها بعضا و " لكن " ليس للاستدرار ؛ لأنه لم يأت نفي كقوله : ما رأيت زيدا لكن عمرا ، بل هو لترك قصة إلى قصة مخالفة للأولى كقولك : جاءني زيد لكن عمرو لم يأت .

" مبنية " قال ابن عباس : من زبرجد وياقوت " تجري من تحتها الأنهار " أي هي جامعة لأسباب النزهة . " وعد الله " نصب على المصدر ؛ لأن معنى " لهم غرف " وعدهم الله ذلك وعدا . ويجوز الرفع بمعنى ذلك وعد الله . " لا يخلف الله الميعاد " أي ما وعد الفريقين .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ} (20)

ولما بين أن من عبد الأنداد هالك لخروجه عن دائرة العقل بجرأة وعدم تدبير ، بين ما لأضدادهم ، فقال صارفاً القول عن الاسم الأعظم إلى وصف الإحسان إشارة إلى كرم المتقين بما لهم من إصالة الرأي التي أوجبت خوفهم مع تذكر الإحسان ليدل على أن خوفهم عند تذكر الانتقام أولى : { لكن الذين اتقوا ربهم } أي جعلوا بينهم وبين سخط المحسن إليهم وقاية في كل حركة وسكنة ، فلم يفعلوا شيئاً من ذلك إلا بنظر يدلهم على رضاه { لهم غرف } أي علالي من الجنة يسكنونها في نظير ظلل الكفار . ولما كانت الغرف في قرار تقر به العيون لم يقل " من فوقهم " كما قال في أهل النار وقال : { من فوقها غرف } أي شديدة العلو . ولما كان ربما ظن أن الطبقة الثانية السماء ، لأن الغرفة أصلها العالي ، ولذلك سميت السماء السابعة غرفة ، وأن تكون الغرفة مثل ظلل النار ليس لها قرار ، قال تحقيقاً للحقيقة مفرداً كما هو المطرد في وصف جمع الكثرة لما لا يعقل : { مبنية } . ولما كانت المنازل لا تطيب إلا بالماء ، وكان الجاري أشرف وأحسن قال : { تجري من تحتها } أي الغرف من الطبقة السفلى والطبقة العليا من غير تفاوت بين العلو والسفل ، لأن القدرة صالحة لأكثر من ذلك { الأنهار } .

ولما ذكر يوم القيامة وما يكون فيه ، بين أنه أمر لا بد منه بقوله ، راداً السياق إلى الاسم الأعظم الذي لا يتصور مع استحضار ما له من الجلال إخلاف : { وعد الله } مؤكداً لمضمون الجملة بصيغة المصدر الدال على الفعل الناصب له ، وهو واجب الإضمار والإضافة إلى الاسم الأعظم الجامع لجميع الصفات ، ثم أتبع ذلك بيان ما يلزم من كونه وعده بقوله على سبيل النتيجة : { لا يخلف الله } أي الملك الذي لا شريك له يمنعه من شيء يريده . ولما كان الرعي لزمان الوعد ومكانه إنما يكون للمحافظة عليه فهو أبلغ من رعيه نفسه ، عبر بالمفعال فقال : { الميعاد * } لأنه لا سبب أصلاً يحمله على الإخلاف .