فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ} (20)

ولما ذكر سبحانه فيما سبق أن لأهل الشقاوة ظللا من فوقهم من النار ومن تحتهم ظللا استدرك عنهم من كان من أهل السعادة فقال : { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ( 20 ) }{ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ } وهم الذين خوطبوا بقوله { يا عباد فاتقون } ووصفوا بما عدد من الصفات الفاضلة ، وهم المخاطبون أيضا فيما سيق بقوله . { يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم } الآية ، وقيل لكن ليست للاستدراك لأنه لم يأت قبله نفي ، بل هو إضراب عن قصة إلى قصة مخالفة للأولى .

{ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ } أي منازل في الجنة رفيعة ، فوقها منازل هي أرفع منها ، وذلك لأن الجنة درجات بعضها فوق بعض وقوله لهم غرف في معنى وعدهم الله بذلك ، وعدا لا يخلفه وأنها { مَبْنِيَّةٌ } بناء المنازل في إحكام أساسها وقوة بنائها ، وإن كانت منازل الدنيا ليست بشيء بالنسبة إليها .

{ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } أي من تحت تلك الغرف الفوقانية والتحتانية وفي ذلك كمال لبهجتها ، وزيادة لرونقها وانتصاب { وَعْدَ اللَّهِ } على المصدرية المؤكدة لمضمون الجملة لأن قوله لهم غرف في معنى وعدهم الله ذلك ، وجملة :

{ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ } مقررة للوعد ، أي لا يخلف الله ما وعد به الفريقين من الخير والشر ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أهل الجنة يتراؤون أهل الغرف من فوقهم كما يتراؤون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق ، أو المغرب ، لتفاضل ما بينهم ، فقالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ، قال بلى والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ) ، متفق عليه .