تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ} (20)

ثم أخبر عن عباده السعداء أنهم لهم غرف في الجنة ، وهي القصور الشاهقة { مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ } ، أي : طباق فوق طباق ، مَبْنيات محكمات مزخرفات عاليات .

قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن في الجنة لغرفًا يُرَى بطونها من ظهورها ، وظهورها من بطونها » فقال أعرابي : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : «لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وصلى لله بالليل والناس نيام » .

ورواه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ، وقال : " حسن غريب ، وقد تكلم بعض أهل العلم فيه من قبَل حفظه " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن ابن مُعانق - أو : أبي مُعَانق - عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن في الجنة لغرفة يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وألان الكلام ، وتابع الصيام ، وصلى والناس نيام » . تفرد به أحمد من حديث عبد الله بن مُعَانق الأشعري ، عن أبي مالك ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تراءون الكوكب في السماء » . قال : فحدثتُ بذلك النعمان بن أبي عياش ، فقال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : " كما تراءون الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي " . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث أبي حازم ، وأخرجاه أيضًا في الصحيحين من حديث مالك ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا فَزارة ، أخبرني فُلَيح ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة أهل الغرف ، كما تراءون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع ، في تفاضل أهل الدرجات » . فقالوا : يا رسول الله ، أولئك النبيون ؟ فقال : «بلى ، والذي نفسي بيده ، وأقوام آمنوا بالله وصدقوا الرسل » . ورواه الترمذي عن سُويد ، عن ابن المبارك عن فُلَيح به وقال : حسن صحيح .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر وأبو كامل قالا حدثنا زهير ، حدثنا سعد الطائي ، حدثنا أبو المدَلَّة - مولى أم المؤمنين - أنه سمع أبا هريرة يقول : قلنا : يا رسول الله ، إنا إذا رأيناك رقت قلوبنا ، وكنا من أهل الآخرة ، فإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشَممْنَا النساء والأولاد . قال : «لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي ، لصافحتكم الملائكة بأكفهم ، ولزارتكم في بيوتكم . ولو لم تُذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم » . قلنا : يا رسول الله ، حَدّثنا عن الجنة ، ما بناؤها ؟ قال : «لَبِنَةُ ذهب ولَبِنَةُ فضّة ، وملاطها المسك الأذْفَر ، وحَصْباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران ، من يدخلها ينعم ولا يَبْأس ، ويخلد ولا يموت ، لا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه . ثلاثة لا تُرَدَّ دعوتُهم : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم تُحمَل على الغَمام ، وتفتح لها أبواب السموات ، ويقول الرب : وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين » .

وروى الترمذي ، وابنُ ماجه بعضَه ، من حديث سعد أبي مجاهد الطائي - وكان ثقة - عن أبي المُدَلِّه - وكان ثقة - به .

وقوله : { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } أي : تسلك الأنهار بين خلال ذلك ، كما يشاءوا وأين أرادوا ، { وَعَدَ اللَّهُ } أي : هذا الذي ذكرناه وعد وعده الله عباده المؤمنين { إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ } .