تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ} (20)

ثم بين الذين أنقذوا من النار ، وهم الذين اتقوا ربهم حين قال : { لكن الذين اتقوا ربهم } أي اتقوا مخالفة ربهم ونقمته .

ثم بين ما أوعد لهم في الآخرة ، فقال عز وجل : { لهم غرف من فوقها غرف مبنية } ذكر أن لهم غرفا في الجنة ، والغرف في الشاهد إنما تتخذ لضيق المكان . لكن ذلك في الجنة ليس كذلك ، ولكن لما كان الله عز وجل عرف من رغبة الناس في الدنيا في الارتفاع والعلو والكرامة والتفضيل على الانحدار في الأرض ؛ رغبهم في الآخرة على ما رغبوا ، وأحبوا في الدنيا ، ولكن لأهل الدرجات ، ولأهل النار الدركات .

ثم قوله تعالى : { تجري من تحتها الأنهار } يخبر أن أمر أهل الجنة على خلاف أمر أهل الدنيا ؛ إذ في الدنيا ؛ كل ما ارتفع ، وعلا ، من البنيان كان الماء منه أبعد والوصول إليه أصعب . فأخبر أنهم ، وإن كانوا في الغرف والدرجات ، فأبصارهم إنما تقع على الماء ، والماء لا يبعد عنهم ، ولا يصعب ، والله أعلم .

ثم ذكر في الغرف البناء ولا ذكر السماء أنه بناها ، فلم يفهم من بنائه ما ذكر ما فهم من بناء الخلق .

فكيف فهم من مجيء الرب وغير ذلك ما فهم من مجيء الخلق وإتيانهم ؟ لولا ما كان فيهم من فساد اعتقادهم ؟ والله أعلم .