معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦ مِن سُوٓءِ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَبَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يَكُونُواْ يَحۡتَسِبُونَ} (47)

قوله عز وجل { ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } . قال مقاتل : ظهر لهم حين بعثوا ما لم يحتسبوا في الدنيا أنه نازل بهم في الآخرة . قال السدي : ظنوا أنها حسنات فبدت لهم سيئات ، والمعنى : أنهم كانوا يتقربون إلى الله بعبادة الأصنام ، فلما عوقبوا عليها بدا لهم من الله ما لم يحتسبوا . وروي أن محمد بن المنكدر جزع عند الموت ، فقيل له في ذلك : فقال : أخشى أن يبدو لي ما لم أحتسب .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦ مِن سُوٓءِ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَبَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يَكُونُواْ يَحۡتَسِبُونَ} (47)

قوله تعالى : " ولو أن للذين ظلموا " أي كذبوا وأشركوا " ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة " أي من سوء عذاب ذلك اليوم . وقد مضى هذا في سورة " آل عمران " {[13321]} و " الرعد " {[13322]} . " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " من أجل ما روي فيه ما رواه منصور عن مجاهد قال : عملوا أعمالا توهموا أنها حسنات فإذا هي سيئات . وقاله السدي . وقيل : عملوا أعمالا توهموا أنهم يتوبون منها قبل الموت فأدركهم الموت قبل أن يتوبوا ، وقد كانوا ظنوا أنهم ينجون بالتوبة . ويجوز أن يكونوا توهموا أنه يغفر لهم من غير توبة ف " بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " من دخول النار . وقال سفيان الثوري في هذه الآية : ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء هذه آيتهم وقصتهم . وقال عكرمة بن عمار : جزع محمد بن المنكدر عند موته جزعا شديدا ، فقيل له : ما هذا الجزع ؟ قال : أخاف آية من كتاب الله " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " فأنا أخشى أن يبدو لي ما لم أكن أحتسب .


[13321]:راجع ج 4 ص 131 طبعة أولى أو ثانية.
[13322]:راجع ج 9 ص 307 طبعة أولى أو ثانية.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَوۡ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦ مِن سُوٓءِ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَبَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يَكُونُواْ يَحۡتَسِبُونَ} (47)

ولما كان التقدير : فيعذب الظالمين فلو علموا ذلك لما ظنوا بادعائهم له سبحانه ولداً وشركاء يقربونهم إليه زلفى منهم بجلاله ونزاهته عما ادعوه له وكماله ، عطف عليه تهويلاً للأمر قوله : { ولو أن } وكان الأصل : لهم - ولكنه قال تعميماً وتعليقاً بالوصف : { للذين ظلموا } أي وقعوا في الظلم في شيء من الأشياء ولو قال { ما في الأرض } ولما كان الأمر عظيماً أكد ذلك بقوله : { جميعاً } وزاد في تعظيمه بقوله : { ومثله } وقال : { معه } ليفهم بدل الكل جملة لا على سبيل التقطيع { لافتدوا } أي لاجتهدوا في طلب أن يفدوا { به } أنفسهم { من سوء العذاب } وبين الوقت تعظيماً له وزيادة في هوله فقال : { يوم القيامة } روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله عز وجل لأهون أهل النار عذاباً : لو أن لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به ؟ فيقول : نعم ، فيقول : قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم عليه السلام أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي "

قوله : أردت أي فعلت معك بالأمر فعل المريد وهو معنى قوله في رواية : قد سألتك .

ولما كان التقدير : ولو كان لهم ذلك وافتدوا به ما قبل منهم ولا نفعهم ، لأن ذلك الوقت وقت الجزاء لا وقت العمل ، واليوم وقت العمل لا وقت الجزاء ، فلو أنفقوا فيه أيسر شيء على وجهه قبل منهم ، عطف عليه من أصله لا على جزائه قوله معظماً الأمر بصرف القول إلى الاسم الأعظم : { وبدا } أي ظهر ظهوراً تاماً { لهم } في ذلك اليوم { من الله } أي الملك الأعظم ، وهول أمره بإبهامه ليكون ضد

{ فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرة أعين }[ السجدة : 17 ] فقال : { ما لم يكونوا } بحسب جبلاتهم وما فطروا عليه من الإهمال والتهاون { يحتسبون * } أي لم يكن في طبائعهم أن يتعمدوا أن يحسبوه وتجوزه عقولهم من العذاب ، وما كان كذلك كان أشق على النفس وأروع للقلب