تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَوۡ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦ مِن سُوٓءِ ٱلۡعَذَابِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَبَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يَكُونُواْ يَحۡتَسِبُونَ} (47)

الآية 47 وقوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } كأنه ، والله أعلم ، يذكر لرسوله صلى الله عليه وسلم ليصبّره على أذاهم إياه ، وألا{[17976]} يُشفق عليهم بما ينزل بهم في الآخرة لأنه أخبر عن عظيم ما ينزل بهم من العذاب .

وكذلك ما ذكر من قوله : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [ الزمر : 45 ] يخبر عن سوء معاملتهم ربهم على علم منه أنهم يؤذون رسوله صلى الله عليه وسلم وأن ذلك يشتدّ عليه ، ويشُقّ ، لينظر أنهم كيف عاملوا ربهم من سوء المعاملة ليصبّره{[17977]} على سوء معاملتهم إياه ، ويترك{[17978]} الرحمة والشفقة عليهم بما ينزل بهم في الآخرة من سوء العذاب ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } قال بعض أهل التأويل : بدا لهم من الله من شهادة الجوارح عليهم والنطق ما لم يكونوا يحتسبون ذلك .

ولكن غير هذا كأنه أقرب ؛ بدا لهم من الهوان والعذاب لهم في الآخرة { مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } وهو يخرّج على وجهين :

أحدهما : أنهم كانوا يقولون : حين{[17979]} فضّلنا الله في هذه الدنيا بفضول الأموال /471 – أ/ والكرامة ، فعلى{[17980]} ذلك نكون في الآخرة مفضَّلين عليهم كما كنا في الدنيا . ولذلك قالوا : { واتبعك الأرذلون } [ الشعراء : 111 ] وقالوا{[17981]} : { وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ } [ هود : 27 ] ونحوه . فبدا لهم ، وظهر في الآخرة ما لم يكونوا يحتسبون ما ذكرنا من الهوان لهم والعذاب .

والثاني : كانوا ينكرون رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم ويقولون : { لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] وقالوا : { أأُنزل عليه الذكر من بيننا } الآية [ ص : 8 ] ونحو ذلك من الكلام كقولهم أيضا : { لو كان خيرا ما سبقونا إليه } [ الأحقاف : 11 ] لا يرون الرسالة توضع إلا في العظيم من أمر الدنيا ، فأخبر أنه يبدي لهم ما [ لم ]{[17982]} يكونوا يحتسبون لما ذكرنا ، والله أعلم .


[17976]:في الأصل وم: وأن.
[17977]:من م، في الأصل وم: ليصبرهم.
[17978]:في الأصل وم: ولا يترك.
[17979]:في الأصل وم: حيث.
[17980]:في الأصل وم: فعل.
[17981]:في الأصل وم: و.
[17982]:ساقطة من الأصل وم.