معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

قال الله تعالى :{ اصبر على ما يقولون } أي : على ما يقوله الكفار من تكذيبك ، { واذكر عبدنا داود ذا الأيد } قال ابن عباس : أي القوة في العبادة .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، أنبأنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عمرو بن أوس ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحب الصيام إلى الله صيام داود ، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه ، وينام سدسه " . وقيل : ذو القوة في الملك . { إنه أواب } رجاع إلى الله عز وجل بالتوبة عن كل ما يكره ، قال ابن عباس : مطيع . قال سعيد بن جبير : مسبح بلغة الحبش .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

قوله تعالى : ( اصبر على ما يقولون ) أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر لما استهزؤوا به . وهذه منسوخة بآية السيف . " واذكر عبدنا داود " لما ذكر من أخبار الكفار وشقاقهم وتقريعهم بإهلاك القرون من قبلهم ، أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بالصبر على أذاهم ، وسلاه بكل ما تقدم ذكره . ثم أخذ في ذكر داود وقصص الأنبياء ؛ ليتسلى بصبر من صبر منهم ؛ وليعلم أن له في الآخرة أضعاف ما أعطيه داود وغيره من الأنبياء . وقيل : المعنى اصبر على قولهم ، واذكر لهم أقاصيص الأنبياء ؛ لتكون برهانا على صحة نبوتك . وقول : " عبدنا " إظهارا لشرفه بهذه الإضافة " ذا الأيد " ذا القوة في العبادة . وكان يصوم يوما ويفطر يوما وذلك أشد الصوم وأفضله ، وكان يصلي نصف الليل ، وكان لا يفر إذا لاقى العدو ، وكان قويا في الدعاء إلى الله تعالى . ويقال : الأيد والآد كما تقول العيب والعاب . قال :

لم يكُ يَنْآدُ فأمْسَى انْآدَا***ومنه رجل أيد أي قوي .

وتأيَّد الشيء تقوَّى ، قال الشاعر :

إذا القوسُ وتَّرَهَا أَيِّدٌ *** رَمَى فأصابَ الكُلّى والذُّرَا

يقول : إذا الله وتر القوس التي في السحاب رمى كلى الإبل وأسمنها بالشحم . يعني من النبات الذي يكون من المطر . " إنه أواب " قال الضحاك : أي تواب . وعن غيره : أنه كلما ذكر ذنبه أو خطر على باله استغفر منه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة ) . ويقال آب يؤوب إذا رجع ، كما قال :

وكل ذي غيبة يؤوبُ *** وغائب الموت لا يؤوبُ

فكان داود رجاعا إلى طاعة الله ورضاه في كل أمر فهو أهل لأن يقتدى به .