فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

ثم أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصبر على ما يسمعه من أقوالهم فقال :

{ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } من أقوالهم الباطلة التي هذا القول المحكي عنهم من جملتها ، وصن نفسك أن تزل فيما كلفت من مصابرتهم ، وتحمل أذاهم ، قيل : وهذه الآية منسوخة بآية السيف ، وقيل محكمة وهو الصحيح . ولما فرغ من ذكر قرون الضلالة وأمم الكفر والتكذيب وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يسمعه ، زاد في تسليته وتأسيته بذكر قصة داود وما بعدها فقال :

{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ } أي أذكر قصته فإنك تجد فيها ما تتسلى به ، والأيد : القوة ، قاله ابن عباس ، ومنه رجل أيد أي قوي ، وتأيد الشيء تقوى ، والأيد مفرد بوزن البيع ، وهو مصدر ، وليس جمع يد ، يقال : آد الرجل يئيد أيدا وإيادا بالكسر إذا قوي واشتد ، فهو أيد مثل سيد وهين ، ومنه قولهم : أيدك الله تأييدا والمراد ما كان فيه عليه السلام من القوة على العبادة ، قال الزجاج وكانت قوة داود على العبادة أتم قوة .

ومن قوته ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم ( أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما ، وكان يصلي نصف الليل ، وكان لا يفر إذا لاقى العدو ) .

وجملة { إِنَّهُ أَوَّابٌ } تعليل لكونه ذا الأيد ، والأواب الرجاع عن كل ما يكرهه الله سبحانه إلى ما يحبه ، ولا يستطيع ذلك إلا من كان قويا في دينه وقيل : معناه كلما ذكر ذنبه استغفر منه وتاب عنه ، وهذا داخل تحت المعنى الأول ، يقال آب يؤوب إذا رجع . وقال ابن عباس الأواب المسبح بلغة الحبشة .

وأخرج الديلمي عن مجاهد قال : سألت ابن عمر عن الأواب فقال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال : " هو الذي يذكر ذنوبه في الخلا فيستغفر الله " وعن ابن عباس قال الأواب الموقن .