الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

فإن قلت : كيف تطابق قوله : { اصبر على مَا يَقُولُونَ } وقوله : { واذكر عَبْدَنَا دَاوُودُ } حتى عطف أحدهما على صاحبه ؟ قلت : كأنه قال لنبيه عليه الصلاة والسلام : اصبر على ما يقولون ، وعظم أمر معصية الله في أعينهم بذكر قصة داود ، وهو أنه نبيّ من أنبياء الله تعالى قد أولاه ما أولاه من النبوّة والملك ، ولكرامته عليه وزلفته لديه ، ثم زلّ زلّة فبعث إليه الملائكة ووبخه عليها . على طريق التمثيل والتعريض ، حتى فطن لما وقع فيه فاستغفر وأناب ، ووجد منه ما يحكى من بكائه الدائم وغمّه الواصب ، ونقش جنايته في بطن كفه حتى لا يزال يجدد النظر إليها والندم عليها فما الظنّ بكم مع كفركم ومعاصيكم ؟ أو قال له صلى الله عليه وسلم : اصبر على ما يقولون ، وصن نفسك وحافظ عليها أن تزل فيما كلفت من مصابرتهم وتحمل أذاهم ، واذكر أخاك داود وكرامته على الله كيف زلّ تلك الزلّة اليسيرة فلقي من توبيخ الله وتظليمه ونسبته إلى البغي ما لقي { ذَا الأيد } ذا القوّة في الدين المضطلع بمشاقه وتكاليفه ، كان على نهوضه بأعباء النبوّة والملك يصوم يوماً ويفطر يوماً وهو أشدّ الصوم ، ويقوم نصف الليل . يقال : فلان أيد ، وذو أيد ، وذو آد . وأياد كل شيء : ما يتقوّى به { أَوَّابٌ } توّاب رجاع إلى مرضاة الله .

فإن قلت : ما دلك على أنّ الأيد القوّة في الدين ؟ قلت : قوله تعالى : { إِنَّهُ أَوَّابٌ } لأنه تعليل لذي الأيد .