قال له على إثر ذلك : { اصبر على ما يقولون } يصبره ، ويقويه على ما يقولون ليصبر على ذلك ، والله أعلم .
وجائز أن يكون قوله عز وجل : { عجل لنا قطنا } ليس على سؤال العذاب والكتاب الذي حمله عامة أهل التأويل عليه . ولكنه سؤال سعة النصيب في الدنيا . ويكون ذلك في قوم لا يؤمنون بالآخرة ، سألوا ما وعدوا من النعيم في الآخرة والسعة في الدنيا . وذلك أشبه لأنهم سألوا ربهم أن يعجل ذلك لهم .
فلو كان على ما يحمله أهل التأويل من سؤال العذاب والكتاب على الاستهزاء بالرسول والتكذيب له لسألوا الرسول ذلك ، ولم يسألوا ربهم ذلك .
فدل على ذلك على أنه أشبه وأقرب ، والله أعلم . ويكون قوله تعالى : { اصبر على ما يقولون } على ما تقدم من قولهم : إنه ساحر ، إنه كذاب ، وإنه اختلق هذا القرآن من ذات نفسه ، ونحوه . ويؤيد ذلك قول سعيد بن جبير . ذكرت لهم الجنة ، فاستهواهم ما فيها ، فقالوا : { ربنا عجل لنا قطنا } أي نصيبنا من الجنة .
وقوله تعالى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } يحتمل قوله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم { واذكر عبدنا داوود } وجوها : أحدها : أن اذكر نبأ داوود ونبأ من ذكر في هذه السورة [ من الأنبياء عليه السلام كقوله : { واذكر عبدنا أيوب } [ الآية : 41 ]وقوله : { واذكر عبدنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب } [ الآية : 45 ] ومن ذكرهم عليهم السلام ، وعلى محمد في هذه السورة . أي اذكر نبأ داوود ونبأ من ذكر في هذه السورة ، لم تكن لتعرف أنت ولا قومك من قبل هذا ، لعلهم يصدقونك ، ويؤمنون بك ، كقوله عز وجل : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } [ هود : 49 ] .
والثاني : قوله عز وجل { واذكر عبدنا داوود } أي اذكر صبر هؤلاء على أذى قومهم وتكذيبهم إياهم لتصبر على أذى قومك وتكذيبهم إياك كما صبر أولئك كقوله عز وجل { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل } [ الأحقاف : 35 ] .
والثالث : { واذكر عبدنا داوود } ومن ذكر من الأنبياء ، أي أذكر لهم المصدقين وما يكون لهم من الكرامات والثواب كما ذكرت لهم المكذبين وما نزل من العذاب لعلهم يرجعون ، ويصدقونك ، ليعلموا من نجا منهم بم نجا ؟ ومن هلك منهم بم هلك ؟ أو ليعلموا أن في أوائلهم المصدقين له والمؤمنين ، فكيف اتبعتهم المكذبين منهم دون المصدقين ؟ والله أعلم .
[ والرابع ]{[17925]} : قوله عز وجل : { واذكر عبدنا } أي اذكر جهد داوود وجهد من ذكر من هؤلاء في العبادة والدين . وأمثال ذلك يحتمل ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ذا الأيد إنه أواب } قال عامة أهل التأويل : { ذا الأيد } ذا القوة على العبادة .
وجائز أن يكون قوله عز وجل { ذا الأيد } في أمر الله في أمر الدين لأنه ألان له الحديد حتى كان يتخذ منه الدرع وغيرها من الأسلحة ، وسخر له الطير والجبال حتى كانت تسبح معه{[17926]} بالعشي والإشراق وحتى كان يستعمل ما اتخذ [ من ]{[17927]}الحديد في ما {[17928]} شاء من أمر الدين من المحاربة مع الأعداء والدرء عن أهل الإسلام والدفع عنهم ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إنه أواب } مطيع لله مقبل على طاعته . وقال بعضهم : { أواب } أي مسبح لله ، ذكر أنه كان كثير التسبيح ، ولذلك{[17929]} قال عز وجل : { يا جبال أوبي معه } [ سبأ : 10 ] أي سبحي . هذا يحتمل .
وجائز أن يكون قوله عز وجل : { أواب } أي رجاع إلى الله يرجع [ إليه ]{[17930]} في كل أمر ، وإليه يفزع في كل نائبة وحادثة .
وقال بعضهم : { ذا الأيد إنه أواب } أي ذا الإحسان والعمل الصالح { إنه أواب } /459-أ/ أي تواب .
وقتادة يقول : ذا القوة في العبادة وذا الفقه في الإسلام وذا البصر في الدين .
وقال أبو عوسجة : { قطنا } أي كتابنا ، يقال : قططت ، أي كتبت ، أقط ، قطا ، فأنا قاط ، والكتاب مقطوط ، والقط أيضا القطع ، يقال : قططت أظفاري ، والقط الدهر ، ويقال : قطي أي حسبي ، وقطك أي [ حسبك ]{[17931]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.