تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

قال له على إثر ذلك : { اصبر على ما يقولون } يصبره ، ويقويه على ما يقولون ليصبر على ذلك ، والله أعلم .

وجائز أن يكون قوله عز وجل : { عجل لنا قطنا } ليس على سؤال العذاب والكتاب الذي حمله عامة أهل التأويل عليه . ولكنه سؤال سعة النصيب في الدنيا . ويكون ذلك في قوم لا يؤمنون بالآخرة ، سألوا ما وعدوا من النعيم في الآخرة والسعة في الدنيا . وذلك أشبه لأنهم سألوا ربهم أن يعجل ذلك لهم .

فلو كان على ما يحمله أهل التأويل من سؤال العذاب والكتاب على الاستهزاء بالرسول والتكذيب له لسألوا الرسول ذلك ، ولم يسألوا ربهم ذلك .

فدل على ذلك على أنه أشبه وأقرب ، والله أعلم . ويكون قوله تعالى : { اصبر على ما يقولون } على ما تقدم من قولهم : إنه ساحر ، إنه كذاب ، وإنه اختلق هذا القرآن من ذات نفسه ، ونحوه . ويؤيد ذلك قول سعيد بن جبير . ذكرت لهم الجنة ، فاستهواهم ما فيها ، فقالوا : { ربنا عجل لنا قطنا } أي نصيبنا من الجنة .

وقوله تعالى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } يحتمل قوله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم { واذكر عبدنا داوود } وجوها : أحدها : أن اذكر نبأ داوود ونبأ من ذكر في هذه السورة [ من الأنبياء عليه السلام كقوله : { واذكر عبدنا أيوب } [ الآية : 41 ]وقوله : { واذكر عبدنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب } [ الآية : 45 ] ومن ذكرهم عليهم السلام ، وعلى محمد في هذه السورة . أي اذكر نبأ داوود ونبأ من ذكر في هذه السورة ، لم تكن لتعرف أنت ولا قومك من قبل هذا ، لعلهم يصدقونك ، ويؤمنون بك ، كقوله عز وجل : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } [ هود : 49 ] .

والثاني : قوله عز وجل { واذكر عبدنا داوود } أي اذكر صبر هؤلاء على أذى قومهم وتكذيبهم إياهم لتصبر على أذى قومك وتكذيبهم إياك كما صبر أولئك كقوله عز وجل { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل } [ الأحقاف : 35 ] .

والثالث : { واذكر عبدنا داوود } ومن ذكر من الأنبياء ، أي أذكر لهم المصدقين وما يكون لهم من الكرامات والثواب كما ذكرت لهم المكذبين وما نزل من العذاب لعلهم يرجعون ، ويصدقونك ، ليعلموا من نجا منهم بم نجا ؟ ومن هلك منهم بم هلك ؟ أو ليعلموا أن في أوائلهم المصدقين له والمؤمنين ، فكيف اتبعتهم المكذبين منهم دون المصدقين ؟ والله أعلم .

[ والرابع ]{[17925]} : قوله عز وجل : { واذكر عبدنا } أي اذكر جهد داوود وجهد من ذكر من هؤلاء في العبادة والدين . وأمثال ذلك يحتمل ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ذا الأيد إنه أواب } قال عامة أهل التأويل : { ذا الأيد } ذا القوة على العبادة .

وجائز أن يكون قوله عز وجل { ذا الأيد } في أمر الله في أمر الدين لأنه ألان له الحديد حتى كان يتخذ منه الدرع وغيرها من الأسلحة ، وسخر له الطير والجبال حتى كانت تسبح معه{[17926]} بالعشي والإشراق وحتى كان يستعمل ما اتخذ [ من ]{[17927]}الحديد في ما {[17928]} شاء من أمر الدين من المحاربة مع الأعداء والدرء عن أهل الإسلام والدفع عنهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { إنه أواب } مطيع لله مقبل على طاعته . وقال بعضهم : { أواب } أي مسبح لله ، ذكر أنه كان كثير التسبيح ، ولذلك{[17929]} قال عز وجل : { يا جبال أوبي معه } [ سبأ : 10 ] أي سبحي . هذا يحتمل .

وجائز أن يكون قوله عز وجل : { أواب } أي رجاع إلى الله يرجع [ إليه ]{[17930]} في كل أمر ، وإليه يفزع في كل نائبة وحادثة .

وقال بعضهم : { ذا الأيد إنه أواب } أي ذا الإحسان والعمل الصالح { إنه أواب } /459-أ/ أي تواب .

وقتادة يقول : ذا القوة في العبادة وذا الفقه في الإسلام وذا البصر في الدين .

وقال أبو عوسجة : { قطنا } أي كتابنا ، يقال : قططت ، أي كتبت ، أقط ، قطا ، فأنا قاط ، والكتاب مقطوط ، والقط أيضا القطع ، يقال : قططت أظفاري ، والقط الدهر ، ويقال : قطي أي حسبي ، وقطك أي [ حسبك ]{[17931]} .

وقال القتبي : القط الصحيفة المكتوبة ، وهي الصك .


[17925]:في الأصل و م: ويحتمل.
[17926]:في الأصل و م: معهم.
[17927]:ساقطة من الأصل و م.
[17928]:في الأصل و م: من.
[17929]:في الأصل و م: وكذلك.
[17930]:ساقطة من الأصل و م.
[17931]:ساقطة من الأصل و م.