البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا ٱلۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (17)

ولما كانت مقالتهم تقتضي الاستخفاف ، أمر تعالى نبيه بالصبر على أذاهم ، وذكر قصصاً للأنبياء : داود وسليمان وأبوب وغيرهم ، وما عرض لهم ، فصبروا حتى فرج الله عنهم ، وصارت عاقبتهم أحسن عاقبة .

فكذلك أنت تصبر ، ويؤول أمرك إلى أحسن مآل ، وتبلغ ما تريد من إقامة دينك وإماتة الضلال .

وقيل : { اصبر على ما يقولون } ، وعظم أمر مخالفتهم لله في أعينهم ، وذكرهم بقصة داود وما عرض له ، وهو قد أوتي النبوة والملك ، فما الظن بكم مع كفركم وعصيانكم ؟ انتهى .

وهو ملتقط من كلام الزمخشري مع تغيير بعض ألفاظه لا تناسب منصب النبوة .

وقيل : أمر بالصبر ، فذكر قصص الأنبياء ليكون برهاناً على صحة نبوته .

وقيل : { اصبر على ما يقولون } ، وحافظ على ما كلفت به من مصابرتهم ، وتحمل أذاهم ، واذكر داود وكرامته على الله ، وما عرض له ، ومالقي من عتب الله .

{ ذا الأيد } : أي ذا القوة في الدين والشرع والصدع بأمر الله والطاعة لله ، وكان من ذلك قوياً في بدنه .

والآوّاب : الرجّاع إلى طاعة الله ، قاله مجاهد وابن زيد .

وقال السدي : المسبح .

ووصفه بأنه أوأب يدل على أن ذا الأيد معناه : القوة في الدين .

ويقال : رجل أيد وأيد وذو أد وأياد : كل بمعنى ما يتقوى .