سورة القارعة مكية وآياتها إحدى عشرة
القارعة : القيامة . كالطامة ، والصاخة ، والحاقة ، والغاشية . والقارعة توحي بالقرع واللطم ، فهي تقرع القلوب بهولها .
والسورة كلها عن هذه القارعة . حقيقتها . وما يقع فيها . وما تنتهي إليه . . فهي تعرض مشهدا من مشاهد القيامة .
والمشهد المعروض هنا مشهد هول تتناول آثاره الناس والجبال . فيبدو الناس في ظله صغارا ضئالا على كثرتهم : فهم ( كالفراش المبثوث )مستطارون مستخفون في حيرة الفراش الذي يتهافت على الهلاك ، وهو لا يملك لنفسه وجهة ، ولا يعرف له هدفا ! وتبدو الجبال التي كانت ثابتة راسخة كالصوف المنفوش تتقاذفه الرياح وتعبث به حتى الأنسام ! فمن تناسق التصوير أن تسمى القيامة بالقارعة ، فيتسق الظل الذي يلقيه اللفظ ، والجرس الذي تشترك فيه حروفه كلها ، مع آثار القارعة في الناس والجبال سواء ! وتلقي إيحاءها للقلب والمشاعر ، تمهيدا لما ينتهي إليه المشهد من حساب وجزاء !
( القارعة . ما القارعة ? وما أدراك ما القارعة ? ) . .
لقد بدأ بإلقاء الكلمة مفردة كأنها قذيفة : ( القارعة )بلا خبر ولا صفة . لتلقي بظلها وجرسها الإيحاء المدوي المرهوب !
اتفقت المصاحف وكتب التفسير وكتب السنة على تسمية هذه السورة { سورة القارعة } ولم يرو شيء في تسميتها من كلام الصحابة والتابعين .
وعدت الثلاثين في عداد نزول السور نزلت بعد سورة قريش وقبل سورة القيامة .
وآيها عشر في عد أهل المدينة وأهل مكة ، وثمان في عد أهل الشام والبصرة ، وإحدى عشرة في عد أهل الكوفة .
ذكر فيها إثبات وقوع البعث وما يسبق ذلك من الأهوال .
وإثبات الجزاء على الأعمال وأن أهل الأعمال الصالحة المعتبرة عند الله في نعيم ، وأهل الأعمال السيئة التي لا وزن لها عند الله في قعر الجحيم .
الافتتاح بلفظ { القارعة } افتتاح مهول ، وفيه تشويق إلى معرفة ما سيخبر به .
وهو مرفوع إما على الابتداء و{ ما القارعة } خبره ويكون هناك منتهى الآية .
فالمعنى : القارعة شيء عظيم هي . وهذا يجري على أن الآية الأولى تنتهى بقوله : { ما القارعة } .
وإمّا أن تكون { القارعة } الأولُ مستقلاً بنفسه ، وعُدّ آية عند أهل الكوفة فيقدر خبرٌ عنه محذوف نحو : القارعة قريبة ، أو يقدر فعل محذوف نحو أتتْ القارعة ، ويكون قوله : { ما القارعة } استئنافاً للتهويل ، وجُعل آية ثانية عند أهل الكوفة ، وعليه فالسورة مسمطة من ثلاث فواصل في أولها وثلاث في آخرها وفاصلتين وسطها .
وإعادة لفظ { القارعة } إظهار في مقام الإِضمار عدل عَنْ أن يقال : القارعة ماهِيهْ ، لما في لفظ القارعة من التهويل والترويع ، وإعادة لفظ المبتدأ أغنت عن الضمير الرابط بين المبتدأ وجملة الخبر .
والقارعة : وصف من القرع وهو ضرب جسم بآخر بشدة لها صوت . وأطلق القرع مجازاً على الصوت الذي يتأثر به السامع تأثُّر خوف أو اتعاظ ، يقال : قَرع فُلاناً ، أي زجره وعَنَّفه بصوت غضب . وفي المقامة الأولى : « ويقرع الأسماع بزواجر وعظه » .
وأطلقت { القارعة } على الحدث العظيم وإن لم يكن من الأصوات كقوله تعالى : { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة } [ الرعد : 31 ] وقيل : تقول العرب : قرعت القوم قارعة ، إذا نزل بهم أمر فظيع ولم أقف عليه فيما رأيت من كلام العرب قبل القرآن .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
القارعة : القيامة . كالطامة ، والصاخة ، والحاقة ، والغاشية . والقارعة توحي بالقرع واللطم ، فهي تقرع القلوب بهولها .
والسورة كلها عن هذه القارعة . حقيقتها . وما يقع فيها . وما تنتهي إليه . . فهي تعرض مشهدا من مشاهد القيامة .
والمشهد المعروض هنا مشهد هول تتناول آثاره الناس والجبال . فيبدو الناس في ظله صغارا ضئالا على كثرتهم : فهم ( كالفراش المبثوث )مستطارون مستخفون في حيرة الفراش الذي يتهافت على الهلاك ، وهو لا يملك لنفسه وجهة ، ولا يعرف له هدفا ! وتبدو الجبال التي كانت ثابتة راسخة كالصوف المنفوش تتقاذفه الرياح وتعبث به حتى الأنسام ! فمن تناسق التصوير أن تسمى القيامة بالقارعة ، فيتسق الظل الذي يلقيه اللفظ ، والجرس الذي تشترك فيه حروفه كلها ، مع آثار القارعة في الناس والجبال سواء ! وتلقي إيحاءها للقلب والمشاعر ، تمهيدا لما ينتهي إليه المشهد من حساب وجزاء !
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ذكر فيها إثبات وقوع البعث وما يسبق ذلك من الأهوال .
وإثبات الجزاء على الأعمال وأن أهل الأعمال الصالحة المعتبرة عند الله في نعيم ، وأهل الأعمال السيئة التي لا وزن لها عند الله في قعر الجحيم .
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
في السورة إنذار بهول القيامة ، وبيان مصير المحسنين والمسيئين فيها ، وأسلوبها عام ، وليس فيها إشارة إلى موقف معين ، فهي من نوع سور الليل والشمس والأعلى وأخواتها . ...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وهذه السورة المكية ، تقدم الصورة السريعة لأجواء القيامة ، القارعة التي يتحوّل فيها الناس إلى ما يشبه الفراش المنتشر في الجوّ ، وتتحوّل الجبال إلى ما يشبه الصوف المنتوف ، ويقف الناس ليواجهوا النتائج من خلال الميزان الحق ، الذي يزن الأعمال في ما يمثل ذلك من قيمة الناس ، فمن كان ثقيل الميزان ، في ما قدّمه من الأعمال الصالحة التي تعطي ثقلاً للحياة ، فسيلقى عيشةً راضيةً ، وأمّا من كان خفيف الميزان ، في ما لديه من تاريخ الأعمال الصالحة ، فلم يحقِّق للحياة أيّ عطاءٍ مما يرضاه الله ، فسيصلى النار الحامية . وهكذا تختصر السورة الموقف في طبيعته ونتائجه ، ليعيش الناس الجوّ الرهيب في صورته الأخروية ، ليهزّ الوجدان في الوحي الذي يثيره في الذات في الواقع الدنيويّ ، لتنفتح - من خلاله - على خط المسؤولية من أوسع الآفاق . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
محتوى السّورة: تتناول هذه السّورة بشكل عام ، المعاد ، ومقدماته ، بتعابير حادّة ، وبيان مؤثر ، وإنذار صريح وواضح ، حيث تُصنّف النّاس يوم القيامة ، إلى صنفين أو جماعتين : الجماعة التي تكون أعمالها ثقيلة في ميزان العدل الإلهي ، فتحظى جزاءً بذلك ، حياة راضية سعيدة في جوار الرحمة الإلهية ، وجماعة أعمالها خفيفة الوزن ، فتعيش في نار جهنم الحارّة المحرقة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره : الْقارِعَةُ : الساعة التي يقرع قلوبَ الناس هولُها ، وعظيم ما ينزل بهم من البلاء عندها ، وذلك صبيحة لا ليل بعدها ... عن ابن عباس ، في قوله : { الْقارِعَةُ } من أسماء يوم القيامة ، عظّمه الله وحذّره عباده .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
القارعة عندهم ، هي الداهية الشديدة من الأمور ، وهي في هذا الموضع وصف لشدة هول يوم القيامة ، وهو من الله تعالى تذكير لعباده ، وتعجيب له عما يكون في ذلك اليوم من الأحوال والأفعال ، وسمى الله تعالى في كتابه ذلك اليوم بما يكون فيه من اختلاف الأحوال نحو قوله : { الحاقة } و{ والواقعة } وما أشبه ذلك . فكذلك قوله تعالى : { القارعة } تذكير لهم بما وصف من حال ذلك اليوم وشدته ليتفكروا في العواقب ، ويتدبروا ما يستقبلهم في الأواخر من العذاب ، فيمتنعوا بذلك عما نهاهم الله تعالى عنه ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ومعنى ( القارعة ) البلية التي تقرع القلب بشدة المخافة ....
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما ختم العاديات بالبعث ذكر صيحته فقال : { القارعة } أي الصيحة أو القيامة ، سميت بها ؛ لأنها تقرع أسماع الناس ، وتدقها دقاً شديداً عظيماً مزعجاً بالأفزاع ، والأجرام الكثيفة بالتشقق والانفطار ، والأشياء الثابتة بالانتثار . ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
لقد بدأ بإلقاء الكلمة مفردة كأنها قذيفة : ( القارعة ) بلا خبر ولا صفة . لتلقي بظلها وجرسها الإيحاء المدوي المرهوب ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الافتتاح بلفظ { القارعة } افتتاح مهول ، وفيه تشويق إلى معرفة ما سيخبر به . وهو مرفوع إما على الابتداء و{ ما القارعة } خبره ويكون هناك منتهى الآية .
فالمعنى : القارعة شيء عظيم هي . وهذا يجري على أن الآية الأولى تنتهى بقوله : { ما القارعة } .
وإمّا أن تكون { القارعة } الأولُ مستقلاً بنفسه ، وعُدّ آية عند أهل الكوفة فيقدر خبرٌ عنه محذوف نحو : القارعة قريبة ، أو يقدر فعل محذوف نحو أتتْ القارعة ، ويكون قوله : { ما القارعة } استئنافاً للتهويل ، وجُعل آية ثانية عند أهل الكوفة ، وعليه فالسورة مسمطة من ثلاث فواصل في أولها وثلاث في آخرها وفاصلتين وسطها .
وإعادة لفظ { القارعة } إظهار في مقام الإِضمار عدل عَنْ أن يقال : القارعة ماهِيهْ ، لما في لفظ القارعة من التهويل والترويع ، وإعادة لفظ المبتدأ أغنت عن الضمير الرابط بين المبتدأ وجملة الخبر .
والقارعة : وصف من القرع وهو ضرب جسم بآخر بشدة لها صوت . وأطلق القرع مجازاً على الصوت الذي يتأثر به السامع تأثُّر خوف أو اتعاظ ، يقال : قَرع فُلاناً ، أي زجره وعَنَّفه بصوت غضب . وفي المقامة الأولى : « ويقرع الأسماع بزواجر وعظه » .
وأطلقت { القارعة } على الحدث العظيم وإن لم يكن من الأصوات كقوله تعالى : { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة } [ الرعد : 31 ] وقيل : تقول العرب : قرعت القوم قارعة ، إذا نزل بهم أمر فظيع ولم أقف عليه فيما رأيت من كلام العرب قبل القرآن .