معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (21)

قوله تعالى : { ومن أظلم } ، أكفر .

قوله تعالى : { ممن افترى } ، اختلق .

قوله تعالى : { على الله كذباً } ، فأشرك به غيره .

قوله تعالى : { أو كذب بآياته } ، يعني : القرآن .

قوله تعالى : { إنه لا يفلح الظالمون } ، الكافرون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (21)

20

( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته ؟ إنه لا يفلح الظالمون . ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا : أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ؟ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا : والله ربنا ما كنا مشركين . انظر كيف كذبوا على أنفسهم ، وضل عنهم ما كانوا يفترون ) .

هذا استطرد في مواجهة المشركين بحقيقة ما يزاولونه ، ووصف موقفهم وعملهم في تقدير الله سبحانه . . مواجهة تبدأ باستفهام تقريري لظلمهم بافتراء الكذب على الله ؛ وذلك فيما كانوا يدعونه من أنهم على دينه الذي جاء به إبراهيم عليه السلام ؛ ومن زعمهم أن ما يحلونه وما يحرمونه من الأنعام والمطاعم والشعائر - كالذي سيجيء في آخر السورة مشفوعا بقوله تعالى : ( بزعمهم )- هو من أمر الله . . وليس من أمره . وذلك كالذي يزعمه بعض من يدعون اليوم أنهم على دين الله الذي جاء به محمد [ ص ] ويقولون عن أنفسهم إنهم " مسلمون " ! وهو من الكذب المفترى على الله . ذلك أنهم يصدرون أحكاما وينشئون أوضاعا ، ويبتدعون قيما من عند أنفسهم يغتصبون فيها سلطان الله ويدعونه لأنفسهم ، ويزعمون أنها هي دين الله ؛ ويزعم لهم بعض من باعوا دينهم ليشتروا به مثوى في دركات الجحيم ، أنه هو دين الله ! . . وباستنكار تكذيبهم كذلك بآيات الله ، التي جاءهم بها النبى [ ص ] فردوها وعارضوها وجحدوها . وقالوا : إنها ليست من عند الله . بينما هم يزعمون أن ما يزاولونه في جاهليتهم هو الذي من عند الله ! وذلك كالذي يحدث من أهل الجاهلية اليوم . . حذوك النعل بالنعل . .

يواجههم باستنكار هذا كله ؛ ووصفه بأنه أظلم الظلم :

( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته ! ) . .

والظلم هنا كناية عن الشرك . في صورة التفظيع له والتقبيح . وهو التعبير الغالب في السياق القرآني عن الشرك . وذلك حين يريد أن يبشع الشرك وينفر منه . ذلك أن الشرك ظلم للحق ، وظلم للنفس ، وظلم للناس . هو اعتداء على حق الله - سبحانه - في أن يوحد ويعبد بلا شريك . واعتداء على النفس بإيرادها موارد الخسارة والبوار . واعتداء على الناس بتعبيدهم لغير ربهم الحق ، وإفساد حياتهم بالأحكام والأوضاع التي تقوم على أساس هذا الاعتداء . . ومن ثم فالشرك ظلم عظيم ، كما يقول عنه رب العالمين . ولن يفلح الشرك ولا المشركون :

( إنه لا يفلح الظالمون ) . .

والله - سبحانه - يقرر الحقيقة الكلية ؛ ويصف الحصيلة النهائية للشرك والمشركين - أو للظلم والظالمين - فلا عبرة بما تراه العيون القصيرة النظر ، في الأمد القريب ، فلاحا ونجاحا . . فهذا هو الاستدراج المؤدي إلى الخسار والبوار . . ومن أصدق من الله حديثا ؟ . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (21)

عطف على جملة { الذين خسروا أنفسهم } [ الأنعام : 20 ] . فالمراد بهم المشركون مثل قوله : { ومن أظلم ممّن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه } وقد تقدَّم نظيره في سورة البقرة ( 114 ) . والمراد بافترائهم عقيدة الشرك في الجاهلية بما فيها من تكاذيب ، وبتكذيبهم الآيات تكذيبهم القرآن بعد البعثة . وقد جعل الآتي بواحدة من هاتين الخصلتين أظلم الناس فكيف بمن جمعوا بينهما .

وجملة : { إنّه لا يفلح الظالمون } تذييل ، فلذلك فصلت ، أي إذا تحقّق أنّهم لا أظلم منهم فهم غير مفلحين ، لأنّه لا يفلح الظالمون فكيف بمن بلغ ظلمه النهاية ، فاستغنى بذكر العلّة عن ذكر المعلول .

وموقع ( إنّ ) في هذا المقام يفيد معنى التعليل للجملة المحذوفة ، كما تقرّر في كلام عبد القاهر . وموقع ضمير الشأن معها أفاد الاهتمام بهذا الخبر اهتمام تحقيق لتقع الجملة الواقعة تفسيراً له في نفس السامع موقع الرسوخ .

والافتراء الكذب المتعمّد . وقوله : { كذباً } مصدر مؤكَّد له ، وهو أعمّ من الافتراء . والتأكيد يحصل بالأعم ، كما قدّمناه في قوله تعالى : { ولكنّ الذين كفروا يفترون على الله الكذب } في سورة المائدة ( 103 ) ، وقد نفى فلاحهم فعمّ كلّ فلاح في الدنيا والآخرة ، فإنّ الفلاح المعتدّ به في نظر الدين في الدنيا هو الإيمان والعمل ، وهو سبب فلاح الآخرة .