محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (21)

[ 21 ] { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون ( 21 ) } .

{ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } كقولهم : الملائكة بنات الله{[3392]} ، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله . قال تعالى : { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها }{[3393]} .

/ { أو كذب بآياته } أي : القرآن والمعجزات ، حيث سموها سحرا . وإنما ذكر ( أو ) مع أنهم جمعوا بين الأمرين ، تنبيها على أن كلا منهما وحده بالغ غاية الإفراط في الظلم على النفس . فكيف ؟ وهم قد جمعوا بينهما ، فأثبتوا ما نفاه الله تعالى ، ونفوا ما أثبته .

{ إنه لا يفلح الظالمون } أي : لا ينجون من مكروه ، ولا يفوزون بمطلوب . وإذا كان حال الظالمين هذا ، فكيف بمن لا أحد أظلم منه ؟

تنبيه :

ما ذكرناه من كون الموصول كناية عن المشركين هو الظاهر ، لأن السورة مكية والخطاب مع مشركي أهلها . وجعله البيضاوي لهم ، ولأهل الكتاب ، وقوفا مع عموم اللفظ . والمهايمي ؛ لأهل الكتاب خاصة ، ربطا للآية بما قبلها . والظاهر الأول ، لما قلنا . وعبارة المهايمي : { الذين خسروا أنفسهم } بتفويت ما أوتوا من الكتاب ، وما أمروا به ، فهم لا يؤمنون . وكيف لا يخسرون ، وهم ظالمون ، وكل ظالم خاسر ؟ وإنما قلنا : إنهم ظالمون ، لأنهم يحرفون كتاب الله لفظا أو معنى ، فيفترون على الله الكذب ، ويكذبون آيات الله من كتابهم ، ومعجزات محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه . وقد يسترون بعض ما في كتابهم ، وهو أيضا تكذيب . فعلوا جميع ذلك لأنه لا يتأتى لهم ترك الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وكتابه . وقد يسترون بعض ما في كتابهم ، وهو أيضا تكذيب . فعلوا جميع ذلك لأنه لا يتأتى لهم ترك الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم بدون أحد هذه الأمور .

وقال في قوله تعالى : { ومن أظلم… } الآية : لأنهم بالتحريف يدَّعون إلهية أنفسهم ، وبالتكذيب يريدون تعجيز الله عن تصديقه الرسل ، وينسبون إيجادها إلى غير الله ، مع افتقارها إلى القدرة الكاملة . وإنما قلنا : كل ظالم خاسر ، لأن كل ظالم لا يفلح . كما قال تعالى : { إنه لا يفلح الظالمون } أي : لا يفلحون في الدنيا بانقطاع الحجة عنهم ، وظهور المسلمين عليهم . وفيه إشارة إلى أن مدعي الرسالة ، لو كان كاذبا كان مفتريا على الله ، فلا يكون مفلحا ، فلا يكون سببا لصلاح العالم ، ولا محلا لظهور المعجزات . انتهى .


[3392]:- [6/ الأنعام/ 100] ونصها:{وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون (100)}. و[16/ النحل/ 57] ونصها:{يجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون (57)}. و[17/ الإسراء/ 40] ونصها:{أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما ((40)}. و[37/ الصافات/ 150] ونصها:{أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون(150)}. و[43/ الزخرف/ 19] ونصها: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون(19)}. و[53/ النجم/ 27] ونصها: {إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى (27)}.
[3393]:- [7/ الأعراف/ 28] ونصها: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون (28)}.